رغم التوجه العام نحو التحول الرقمي، لا تزال بعض المؤسسات تواجه صعوبات وإشكاليات في تقديم خدمات إلكترونية تتسم بالمرونة والسرعة والدقة التي ينشدها الجميع، فبدلاً من أن تكون هذه الخدمات وسيلة لتسهيل الأعمال وإنجاز معاملات المواطنين والمستثمرين بكفاءة عالية، نجد أن البيروقراطية التقليدية والتعقيد الإداري ما زالا يطغيان على أداء بعض المؤسسات، مما يؤدي إلى بطء الإجراءات ويعيق التطوير المنشود في بيئة الأعمال، لتبقى بعض المؤسسات «متقوقعة» في إطار تقليدي يتسم بالرتابة في تقديم خدماتها، وهو بطبيعة الحال ما قد ينعكس أيضًا على أداء مؤسسات أخرى ترتبط معها في أدوار تكاملية.
ما يدعو للتساؤل هنا، هو مدى إدراك تلك المؤسسات لأهمية التحول الإلكتروني، وإلى أي درجة هي واعية بطبيعة وأهمية هذا الدور المهم في المرحلة القادمة، إذا ما أردنا بالفعل أن نعمل على تسريع وتطوير بيئة الأعمال، وندفع بتوجهات الدولة في إيجاد نظام إلكتروني متكامل لديه القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة والمنشودة في رؤية عُمان 2040م.
إن متابعة واقع الخدمات المقدمة من بعض المؤسسات، خاصة تلك التي ترتبط بشكل مباشر بخدمات المواطنين – وهي معلومة للجميع – تكشف لنا عن فجوة كبيرة بين ما يعلن، وبين ما هو على الواقع، فعليا. فكم من معاملة يفترض أنها رقمية بالكامل، لكنها تبقى حبيسة الأدراج لأيام، وربما تعود إلى المراجع مرات عديدة بطلبات متكررة وشروط جديدة، وكأن العملية لم تدخل أصلًا في نطاق الخدمات الإلكترونية. وفي بعض الحالات، نجد معاملات تتطلب اعتمادا بسيطًا قد تستغرق أسبوعا أو أكثر، أو تتطلب الحضور الشخصي أو تقديم الطلب عبر شركة بريد عمان، دون وجود قنوات رقمية متكاملة أو مرنة تراعي طبيعة وحاجة كل خدمة. هذا الواقع يوجد إرباكا حقيقيا لدى المواطن والمستثمر، ويفقد التحول الرقمي مضمونه الحقيقي من جهة، ويقلل من جهود الدولة فيما يتعلق بتعزيز ثقافة المعاملات الإلكترونية والمضي بها لتكون الخيار الوحيد للجميع، وهو ما قد يقلل من مصداقية تلك الجهود التي تبذلها بعض المؤسسات، والتي قطعت فيها شوطًا كبيرا يستحق الإشادة والتقدير.
ورغم وجود مؤسسات حكومية استطاعت أن تضع بصمتها وتحقق نقلة نوعية في خدماتها الرقمية، فإن البعض الآخر لا يزال متأخرا. فرغم ما أطلق من مبادرات إلكترونية، إلا أن التعقيد الإجرائي ظل حاضرًا، والزمن المستغرق لإنجاز الخدمات لم يتغير كثيرا لدى البعض. ويبرز ذلك بشكل واضح في قطاعات متنوعة، حيث تتعدد الجهات وتتشعب الإجراءات، وتغيب حلول التكامل بين الأنظمة.
من هنا، تبرز أهمية إجراء مراجعة شاملة لسياسات تقديم الخدمات، مع التركيز على تجربة المستخدم، وتقديم نماذج خدمات مرنة، ومترابطة، وسريعة.فالتحول الرقمي ليس مجرد نقل الإجراءات إلى بوابة إلكترونية، بل هو تغيير جذري في فلسفة الخدمة وآليات تقديمها.
مصطفى المعمري
كاتب عماني