تُعد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إحدى الركائز الحيوية والأساسية في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق استدامته، فهي تسهم في تنويع مصادر الدخل، وتعزز الابتكار، وتفتح آفاقاً جديدة للأنشطة الاقتصادية، مما يجعلها ركيزة لا غنى عنها لتحقيق الأهداف الطموحة التي رسمتها رؤية عمان 2040.
لقد وضعت سلطنة عمان ضمن خططها الاستراتيجية أهمية قصوى لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير البيئة التشريعية والتنظيمية الملائمة، وتسهيل وصولها إلى الأسواق والتمويل، لضمان استمراريتها ومضاعفة إسهاماتها في الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك، تواجه هذه المؤسسات اليوم تحديات متنامية، خاصة في ظل التغيرات السريعة في البيئة التنظيمية والتشريعية، مما يتطلب المزيد من المرونة والدعم لضمان قدرتها على التكيف والنمو.
من أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو التغير المفاجئ والمستمر في القوانين والقرارات الاقتصادية، فتعديل التشريعات بصورة متسارعة دون منح فترات انتقالية معقولة يؤدي إلى إرباك الأسواق، ويزيد من الأعباء الإدارية والمالية على هذه المؤسسات، ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك البيان الأخير الصادر عن وزارة العمل بخصوص تعمين جميع السجلات التجارية بمختلف أنشطتها دون مراعاة خصوصية كل نشاط، وعلى الرغم من أن البيان يهدف إلى تعزيز التوظيف الوطني، وهو هدف وطني نبيل ومهم، إلا أن تطبيقه المستقبلي قد يحمل في طياته آثاراً سلبية غير مقصودة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الأنشطة التجارية والخدمية تعمل بهوامش ربح ضئيلة، وأحياناً لا تغطي حتى المصاريف التشغيلية الأساسية، وبالتالي، فإن تطبيق ما جاء في هذا البيان في المستقبل قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف التشغيل، مما سينعكس بشكل مباشر على أسعار الخدمات والمنتجات المقدمة للمستهلك النهائي، والأهم أن هذا التوجه، وإن لم يدخل حيز التنفيذ بعد، يحمل في طياته آثاراً اقتصادية واجتماعية ينبغي دراستها بعناية فائقة قبل الشروع في تطبيقه الكامل.
لا بد هنا من التأكيد على أن التعمين هدف سامٍ من أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان، ويصب في تعزيز الأمن الاقتصادي للمواطنين، إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب نهجاً متدرجاً مرناً يأخذ في الاعتبار واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وقدرتها المحدودة على استيعاب التحولات المفاجئة، فالتطبيق المتدرج والمراعي لظروف السوق سيحقق التوازن المطلوب بين رفع نسب التعمين والحفاظ على استمرارية المؤسسات ونموها.
ولا تقتصر أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تنشيط الحركة الاقتصادية المباشرة فحسب، بل تمتد آثارها إلى قطاعات عديدة بشكل غير مباشر، فهي تساهم في تنشيط سوق العقارات عبر طلب الإيجارات، وفي دفع رسوم الكهرباء والمياه والاتصالات، كما تسدد التزاماتها تجاه رسوم الخدمات الحكومية، وتوقف هذه المؤسسات أو تعثرها قد يؤدي إلى سلسلة من التأثيرات السلبية التي تضرب منظومة كاملة من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها.
وفي ضوء هذه المعطيات، يصبح من الضروري النظر إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على أنها شريك استراتيجي في بناء المستقبل الاقتصادي لعُمان، ويتعين أن تحظى هذه المؤسسات بحماية أكبر، سواء من حيث استقرار القوانين، أو تيسير بيئة الأعمال، أو تعزيز آليات الدعم والتمويل، بما يتواكب مع مستهدفات رؤية عمان 2040.
وتتطلب التحديات الأخيرة المتعلقة بالتعمين وغيرها من القرارات التنظيمية وضع خارطة طريق واضحة، تقوم على مبدأ التدرج، والاستماع لآراء أصحاب الأعمال، ومراعاة طبيعة الأنشطة المختلفة، فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ليست فقط مشاريع ربحية، بل تمثل بنية تحتية اقتصادية واجتماعية تدعم الاستقرار، وتغذي روح الابتكار، وتؤسس لقواعد قوية لاقتصاد المستقبل.
ومن هنا، فإن نجاح رؤية عمان 2040 يعتمد بشكل جوهري على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتهيئة بيئة محفزة ومستقرة تضمن استدامتها، وتمنحها القدرة على تجاوز التحديات، لتكون بحق شريكاً رئيسياً في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
أحمد بن سالمين الكمشكي
كاتب عماني