الاثنين 12 مايو 2025 م - 14 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

« لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب فـي السياسة الدولية»

« لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب فـي السياسة الدولية»
السبت - 10 مايو 2025 01:00 م

سعود بن علي الحارثي

20

الإنسان ضحيَّة الإنسان، ولا يكُونُ الإنسان في حُكم الضحيَّة إلَّا إذا كان ساذجًا غبيًّا تخلَّى عن ممارسة التَّفكير، وعن أسلحة الوعي والتَّعلُّم، ومحاولة البحث واكتساب المزيد من الفَهْمِ والمعرفة، وتحليل واستيعاب ما يُعرَض عَلَيْه ويطرح، وما يتلقَّاه من أفكار وتعليمات... لقَدْ كان الإنسان وما زال، هدفًا مشروعًا للسِّياسيِّين ومدَّعي العِلم والتَّديُّن، ومروِّجي الاستثمارات الكاذبة الواهمة، والمُخادِعِين واللصوص وما أكثرهم في عالَمنا البَشَري، وما زلْنا نَصِف الكثير من النَّاس بالسُّذَّج وبسطاء التَّفكير والرّعاع الَّذين يتركون عواطفهم وأهواءهم وشهواتهم تَقُودُهم بدلًا من العقل والمنطق والتَّفكير... فيقعون في الشراك والغفلة. «لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب في السِّياسة الدّوليَّة»، للباحث «جون جي . مير شيمر»، الصَّادر عن المجلس الوطني للثَّقافة والفنون والآداب بالكويت، عنوان لافت للنَّظر، يُثير الفضول، ويدعونا إلى اكتشاف موضوعه وفصوله ومحتواه، ويحفِّزنا على طرح الأسئلة، من مِثل: هل يكذب القادة؟ وهم النّموذج الأرفع في تقلُّد المناصب والمسؤوليَّات، المُكلَّفون والمختصُّون والمُشرِفون، المُوكَل بهم أمانة ورعاية النَّاس، وبسط العدل، ومحاربة الظُّلم والفساد، وتحقيق الرَّخاء والازدهار وفرص الحياة الكريمة لشعوبهم...؟ ولماذا يكذبون، وهم يتفيؤون ظلال السُّلطة وينعمون بسُلطاتها؟ ما غايتهم ومقصدهم من الكذب؟ وهل تتوافر مبرِّرات للكذب؟ هل هم مضطرون إلى ذلك، بمعنى هل يتعرض القادة إلى ظروف وضغوط تفرض عَلَيْهم التَّستُّر على الحقيقة وتمنعهم من أن يكُونُوا صادقين...؟ في المقدِّمة الَّتي سطَّرها قلم الأستاذ الدكتور غانم النجَّار، مترجِم الكِتاب، يَصِف محتواه بأنَّه «موجَّه إلى عموم النَّاس، وقابلٌ للهضم والفَهْمِ والاستيعاب، بعيدًا عن التَّعقيدات الأكاديميَّة...»، ويُعرِّف الكذب وأنواعه، على أنَّه «سُلوك بَشَري، يستهدف طمْسَ الحقيقة عن بَشَرٍ آخرين، وهو سُلوك عادةً ما يكُونُ له هدف، وقد يكُونُ ذلك الهدف أحيانًا نبيلًا، كما يرى مؤلِّف الكِتاب». أمَّا على المستوى العام فقَدْ تمَّ تحديد «٣١ نوعًا من أنواع الكذب يمارسه البَشَر فيما بَيْنَهم»، ولأنَّه فِعل ممقوت ومنهي عَنْه ومن العيب ممارسته، فإنَّ البَشَر، «في مجملهم لا يقرون بكذبهم، بل يبرِّرونه. وبالطَّبع، لا أحد يَقبل أن يوصفَ بأنَّه كاذب»، رغم أنَّهم ـ أي النَّاس ـ «يمارسون الكذب بأشكال مختلفة، ومستويات متنوِّعة...». لا يجد «جون جي. ميرشيمر»، غضاضة ومنقصة من وضع وصفٍ للمبرِّرات والدَّوافع والحجج الَّتي تسوِّغ للقادة ممارسة الكذب وتلجئهم إلى فِعل ذلك، بل إنَّ الكِتاب ما كُتب ونُشر إلَّا لتحقيقِ هذا المقصد، وهو المحرِّك والباعث للجدل والنِّقاش الَّذي تتعرض له كتُب ودراسات المؤلِّف حَوْلَ كذب القادة، «ويبدو أنَّ ما يجعل الموضوع أكثر إثارة لاهتمام الكثيرين هو أنَّني أجادل بأنَّ هناك مبرِّرات استراتيجيَّة للقادة لِكَيْ يكذبوا، في بعض الأحيان، على دوَل أخرى، وعلى شعوبهم أيضًا. فالكذب الدّولي، ليس بالضرورة فعلًا خاطئًا؛ في الحقيقة، فهو كثيرًا ما ينمُّ عن فراسة، وقد يكُونُ ضروريًّا، بل فاضلًا في بعض الظُّروف». يبدو أنَّ سَيل الكذب الَّذي أتقنَه الرَّئيس السَّابق «بوش»، وإدارته، في التَّرويج لِمَا سُمِّي في وقته بـ»أسلحة الدَّمار الشَّامل»، الَّتي قِيل بأنَّ العراق يمتلكها، لحشدِ الرَّأي العامِّ الأميركي والعالَمي، وتهيئته لشنِّ حربٍ على نظام صدام حسين، كانتْ من أسوأ أنواع الكذب الَّتي وثَّقها التَّاريخ، وكشفتِ الحقائق والأيَّام زيْفَها، فتحوَّلتْ هذه الكذبة الشيطانيَّة، إلى نموذج ومثال يستدلُّ بها على كذب القادة وزيْفِ ادِّعاءاتهم، فكيف يُمكِن تكييفها؟ وهل سيسقطها المؤلِّف ويضعها في قائمة المبرِّرات الَّتي يدافع بها وينافح عن كذب القادة؟ «أصرَّ كبار المسؤولين في حكومة الرَّئيس بوش، والَّذين دفعوا الولايات المُتَّحدة دفعًا إلى غزو العراق، قبل ١٩ مارس ٢٠٠٣، على أنَّهم متأكِّدون من امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. وادّعوا أنَّ مزاعمهم تستند إلى أدلَّة قاطعة دامغة». وأثبتتْ تلك الحرب الكارثيَّة الَّتي دمّرت العراق وفتَّته إلى طوائف ومذاهب وأعراق وخربتْ حضارته وأضرَّتْ بالعراقيِّين، بأنَّ «صدام كان يقول الحقيقة حَوْلَ عدم امتلاكه أسلحة الدَّمار الشَّامل»، فيما «كذبتِ القيادات العُليا بحكومة الرَّئيس بوش، وكذبت في أمور أخرى لا تقلُّ أهميَّة...». ومع ذلك يصرُّ الكاتب على أنَّ كذب القادة «يعدُّ عملًا مشينًا في الحياة العاديَّة، لكنَّه يبقى سلوكًا مقبولًا في السِّياسة الدّوليَّة...». فالرَّئيس بوش في ملف العراق وكذبته المشهورة بشأن أسلحة الدَّمار الشَّاملة الَّتي يمتلكها صدام حسين، لم يَقُم بأكثر من «اقتفاء أثَر الرَّئيس فرانكلين روزفلت، الَّذي كذب بخصوص الحادثة البحريَّة في العام ١٩٤١، سعيًا وراء إدخال أميركا في الحرب العالَميَّة الثَّانية، والرَّئيس ليندُونَ جونسون، الَّذي كذب بخصوص أحداث خليج تونكين في صيف ١٩٦٤، من أجْلِ الحصول على دعم الكونجرس لشنِّ حرب على فيتنام الشماليَّة..». فقَدِ اعتاد رؤساء أميركا الكذب على شعوبهم وعلى العالَم، لشنِّ المزيد من الحروب والاعتداء والاستيلاء على دوَل وشعوب مستضعفة وتخريبها ونشرِ الفوضى والعبث بهياكلها السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والدِّينيَّة لبثِّ الفِتن والحروب الداخليَّة، دُونَ أن يتعرضَ هؤلاء الرُّؤساء «القادة»، لأيِّ محاسبات وعقوبات، حتَّى بعد اكتشاف كذبهم وزيْفهم بالأدلَّة القاطعة. ولعلَّ الكاتب يسند تبريراته ويسوّغ لهذا النَّوع من كذب القادة، على قاعدة أنَّه أصبح عرفًا وتقليدًا سياسيًّا يُمارس في أعتى وأقوى الدوَل الَّتي تتحكم في مصير العالَم، وتدَّعي بأنَّها الممثِّل الشَّرعي لقِيَم الديمقراطيَّة. قدَّم «جون جي. ميرشيمر» «قائمة بالأكاذيب الدّوليَّة»، الَّتي يلجأ إِلَيْها القادة، وتصطبغ بسُلوكيَّاتهم السِّياسيَّة، أو يفرضها النِّظام الحاكم عَلَيْهم، ولكونها ـ كذلك ـ جزءًا من طبيعتهم الإنسانيَّة، من أبرزها: «الكذبة الَّتي يُطْلقها قائد لشَعبه بخصوص تهديد خارجي محتمل، للحصول على دعم شَعبي للتَّصديد للتَّهديد» ـ أكاذيب يقصد مِنْها التَّبرير للقيادة على أنَّها كانتْ على حقِّ للتَّغطية على الأخطاء والفشل، أي «إخفاء سياسات فاشلة أو مثيرة للجدل»، ويُطلق عَلَيْها «التَّغطيات الاستراتيجيَّة» ـ «الأكاذيب الليبراليَّة، للتَّغطية على سُلوك يتناقض» مع المبادئ الَّتي يستند إِلَيْها النِّظام السِّياسي ـ «ممارسة الإمبرياليَّة الاجتماعيَّة، حين يُطلق القادة الأكاذيب عن دَولة أخرى بهدف تنمية مصالحهم الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة، أو لمصلحة طبقة اجتماعيَّة أو مجموعة بِعَيْنها»... وبشأن كذب الدوَل على بعضها، أورد الكِتاب مثالًا عن الكذب الَّذي مارسَتْه «إسرائيل» «على الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في الستينيَّات عن مشروعها النَّووي النَّاشئ خوفًا من أن تجبرَها واشنطن على إيقافه..». هل يُمكِن أن نبرِّرَ لهذا النَّوع من الكذب، أيًّا كانتْ دوافعه ومسوِّغاته؟ وهل تُبيح لنا الأخلاق والقِيَم الإنسانيَّة، التَّضحية بدماء الآلاف من الأبرياء، بل الملايين من البَشَر أحيانًا، وأن نجعلَ من الأرواح الإنسانيَّة وقودًا للحروب والصِّراعات اليوميَّة؟ لقَدْ قاد كذب القادة إلى موت مئات الملايين من النَّاس حَوْلَ العالَم، على مدى العقود الَّتي غطَّى أحداثها، هذا الكِتاب، ولا أجدُ مسوِّغا يُعفي هؤلاء القادة من أفعالهم الإجراميَّة، الَّتي حاول الكاتب أن يدمغَها بمبرِّرات وظروف وضغوطات أجبرتهم على الكذب، فأيُّ أخلاق تجيز لقائدٍ أن يكذبَ على شَعبه بغرض حشدِهم إلى حربٍ تفتك وتدمِّر وتهتك الأعراض وتَنشُر الفوضى والخراب... بدعاوى وأسباب زائفة؟؟؟

سعود بن علي الحارثي

[email protected]