الثلاثاء 06 مايو 2025 م - 8 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

أصداف : تحولات «القراءة»

أصداف : تحولات «القراءة»
الأحد - 04 مايو 2025 12:44 م

وليد الزبيدي

10


بدخول عصر «نسخ» الكتُب والمؤلَّفات في عصور سالفة، وتحققت قفزات كبيرة في عالَم المعرفة، بعد ظهور الكتابة وما أحدَثته من متغيِّرات جذريَّة في حياة المُجتمعات، وجاء ابتكار الطِّباعة منتصف القرن الخامس عشر عِندَما ظهرتْ أوَّل مطبعة في ألمانيا، لِتشهدَ المعرفة انتقالات حقيقيَّة لِمَا طرأ من تطوُّر في عالَم الكِتاب الَّذي يعني وبِدُونِ شكٍّ عوالم القراءة ونهل المعرفة.

لكنَّ التَّحوُّلات الَّتي طرأتْ في هذا العالَم أخذت بالتَّسارع خلال العقدَيْنِ الأخيرَيْنِ، فقَدِ انتقلتِ القراءة وبنسبةٍ كبيرة، مِنْها نَحْوَ استبدال القراءة الورقيَّة الَّتي لها طعمها الخاصُّ لدَى أجيال كثيرة متعاقبة، إلى القراءة من خلال الشَّاشة بأحجامها المختلفة، شاشة الحاسوب الَّتي تمنح القارئ مساحة أكبر والاسترخاء في متابعة ما يقرأ، ثمَّ سرعان ما غزا السُّوق الهاتف المحمول الَّذي فرض مساحة للقراءة أقلَّ بكثير، ليس المساحة وحدَها ما يُمكِن القول بأنَّه «المتغيِّر» الكبير، بل يُضاف إلى ذلك التَّزاحم الهائل الَّذي يفرضه استخدام الهاتف النقَّال، هذا التَّزاحم يُتيح خيارات أكثر للقارئ، وبقدر ما يقدِّم نوافذ للتَّعرُّف على مؤلِّف الكِتاب وصاحب البحث والدِّراسة، وما يُعزِّز طروحات المنتج الفكري والأدبي، فإنَّه يفتح نوافذ كثيرة قد تكُونُ أكثر إغراء للانتقال لعوالم وموضوعات أخرى، رُبَّما يختلف جذريًّا عن تلك الَّتي دلف إِلَيْها بغرض القراءة والاستمتاع والاستزادة المعرفيَّة.

في هذه الجزئيَّة لو أجرينا مقارنةً بسيطة بَيْنَ ما يتوافر من كم هائل من الكتب والمصادر في داخل هاتف الشَّخص، حيثُ يُمكِنه البحث عن آلاف العناوين وبمختلف اللُّغات عن كتَّاب وكتُب وبحوث ومقالات ودراسات، والحقبة الَّتي سبقتْ عصر بداية التَّدوين، وصعوبة التنقُّل بَيْنَ مكان وآخر وما يعانيه المرء في تعلُّم لُغات أخرى وتجشُّم عناء السَّفر عَبْرَ الصحارى وقطع آلاف الكيلومترات وانتشار قطَّاع الطُّرق واللُّصوص في الكثير من المناطق، ومقارنة كُلِّ ذلك بالنَّقرات السَّريعة والخفيفة للحصول على ما يرغب من كِتاب وغيره من مصادر المعرفة، فإنَّ المرء لن يجدَ نسبة بَيْنَ ما هو متوافر وما كان في تلك الحقب الزمنيَّة المتباعدة، ورُبَّما لا يتخيَّل الكثير من القرَّاء، وتحديدًا الأجيال الجديدة، حجم المعاناة والصُّعوبات الجمَّة، الَّتي طالَما واجهتْ طالب العِلم والمعرفة في العهود الَّتي سبقت ظهور الطِّباعة، وبعد ذلك تطوُّر إخراج الكتب وتوزيعها بَيْنَ الأُمم والشُّعوب.

وعِندَ البحث في عوالم القراءة في سالف الأزمنة والعهود وما يعيشه العالَم من تطوُّرات هائلة، فإنَّ الصُّعوبات الَّتي طالَما وقفتْ عائقًا أمام طلبة العِلم بما كانتْ عَلَيْهن فإنَّ «عقبات جديدة» تقف بقوَّة أمام الكثير من طلَّاب العِلم والمعرفة، وبقدر ما يرَى الكثيرون من أنَّ وجود هذا الكمِّ الهائل من نوافذ المعرفيَّة ومخازن الكتب والدِّراسات المتاحة في الشَّبكة العنكبوتيَّة، فإنَّ حجم المُغريات والقنوات المنوَّعة الَّتي تتدفَّق أمام الجميع وبسهولة كبيرة، قد تكُونُ أقسى في نَوعيَّة» هذا العائق» من تلك الَّتي مَررنا عَلَيْها في سالف الأزمنة.

لقَدْ تغلَّب العقل البَشَري على العوائق السَّابقة باختراع الطِّباعة وتيسير الكِتاب للنَّاس، فهل يعمل العقل البَشَري على إيجاد مصدَّات «للمغريات « الكثيرة الَّتي تحدُّ من الشَّغف بالقراءة والمطاولة في الاستزادة المعرفيَّة؟

عوالم ومتغيِّرات قد تَقُودُ إلى المجهول.

وليد الزبيدي

كاتب عراقي

[email protected]