يحتدم الجدل الآن احتدامًا شديدًا حَوْلَ تقييم أوَّل مئة يوم من ولاية الرَّئيس دونالد ترامب الثَّانية. وليس هذا بأمْر غريب، إذ دلَّتِ الأحداث وتداعياتها على أنَّ ترامب ليس بالرَّئيس الَّذي يُمكِن أن ينضمَّ بقائمة الرُّؤساء الأميركان التَّقليديِّين، خصوصًا وأنَّه رئيس يخالف أنماط السُّلوك الرئاسيَّة المتعارف عَلَيْها عَبْرَ عصرنا الرَّاهن. وإذا كانتْ سياساته الخارجيَّة تُثير الكثير من الشُّجون والجدل، فإنَّ ما يقرِّره في الدَّاخل الأميركي غدَا من الظَّواهر الجديدة الَّتي تستحقُّ الرَّصد والدِّراسة، مع إشارة خاصَّة إلى سياسة تسفير المهاجرين الَّذين سبقَ أن دخلوا الولايات المُتَّحدة على نَحْوٍ غير شرعي، وقد فاجأ ترامب دَولة السلفادور بتسفير عشرات المهاجرين غير الشَّرعيِّين إِلَيْها فجأة، ناهيك عمَّا قيل ويقال عن تسفير مهاجر شرعي إِلَيْها، سهوًا! وتُعَدُّ سياسة ترامب في اعتماد الحدود المغلقة جزءًا لا يتجزأ من شعاره: «لِنَجْعلْ أميركا أُمَّة عظيمة ثانية»! زدْ على ذلك وعوده بأن يشهدَ الجيل الحالي هذه النَّتيجة الموعودة أثناء سِني حياته! أمَّا على الصَّعيد الخارجي، فلم تقلّ إعلاناته إثارةً ولا تقليديَّة عن نظائرها على الصَّعيد المحلِّي الدَّاخلي: وجميعنا يتذكر دعوته العجيبة لشراء قِطاع غزَّة، إذ كان المال هو كُلُّ شيء في قاموسه السِّياسي؛ باعتبار أنَّ كُلَّ شيء، مهما كانتْ قِيمته الاعتباريَّة، بل وحتَّى الرُّوحيَّة قابل للتَّداول في أسواق العَرض والطَّلب. أمَّا أكثر مفاجآت الرَّئيس ترامب إثارة للجدل بل وللهلع، أحيانًا، فهي مفاجأته الشَّعب الكندي بالدَّعوة للانضمام إلى الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة؛ باعتبار كندا الولاية رقم «إحدى وخمسين»! زدْ على ذلك توعُّده الصِّين بأنواع أسلحة التَّعريفات الجمركيَّة الَّتي يُمكِن أن تعرضَ الاقتصاد الصِّيني لنكسةٍ من العيار الثَّقيل، بالرَّغم من أنَّ الصِّين تُعَدُّ ثاني أعظم اقتصاد في عالَم اليوم بعد الولايات المُتَّحدة .
والحقُّ، فإنَّ ولاية الرَّئيس ترامب الثَّانية تتوعد العالَم بالكثير ممَّا لا يخطر على بال أحَدٍ، خصوصًا وأنَّ الرَّئيس دونالد ترامب وغير مستعد أن يغادرَ قراراته «الراديكاليَّة» غير القابلة للتَّصنيف التَّقليدي الَّذي عهده التَّاريخ الأميركي المعاصر!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي