مسقط ـ (الوطن): طوى معرض مسقط الدولي للكتاب مساء امس صفحة دورته الـ 29، بعد عشرة أيام حافلة بالعطاء الثقافي والتنوع الفكري، حيث شهدت أيامه حضورا مميزا من كافة شرائح المجتمع ومن جنسيات مختلفة دفعها الشغف وحب الاطلاع، حيث شهدت أروقته نشاطا وحراكا ثقافيا، فنيا وأدبيا، ينم عن التنوع الذي شهد المعرض، وعن ثقافة مجتمع يبحث عن جمالية الحرف ورصانة المفردة ودافعية المعرفة.
وشهدت أيامه الأخيرة عددا من الجلسات الحوارية والمحاضرات والمناشط، منها محاضرة بعنوان (الفن والثقافة نحو تعزيز الوعي بهما) ، نظمتها شبكة المصنعة الثقافية تناولت فيها مفهوم الثقافة وحقيقة الفاصل بينها وبين الفن.
وتطرق الدكتور ياسر منجي إلى مجموعة من مفاهيم الثقافة لعدد من العلماء حول العالم ومنها تعريف عالم الاجتماع الأميركي تالكوت بارسونز الذي يرى الثقافة أنها أحد الرموز التي تمكن الأفراد من التواصل والتي تشكل الإطار العام للسلوك الاجتماعي، وتعريف الروائي والناقد البريطاني ريموند وليامز الذي يرى أن الثقافة هي تعبير عن أنماط الحياة والتقاليد والمعتقدات وتشمل الأدب والفنون وسائر التعبيرات الرمزية، بالإضافة إلى تعريف مؤسس علم الأنثروبولوجيا الثقافية السير إدوارد تايلور الذي يعرف الثقافة على أنها كل ما يشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعرف وأي قدرات أو عادات يكتسبها الإنسان بصفته عضوا في المجتمع.
كما نظّمت محافظة شمال الشرقية ضيف شرف معرض مسقط الدولي للكتاب جلسةً حواريّةً بعنوان (القلاع والحصون في شمال الشرقية ودورها التاريخي). وركزت الجلسة على الأبعاد التاريخيّة والمعماريّة للقلاع والحصون المنتشرة في ولايات المحافظة، ودورها في ترسيخ الهُوية الوطنية وحفظ الأمن المجتمعي عبر العصور، إلى جانب استعراض نماذج بارزة منها مثل حصن فريفر والمنترب وخزام والقابل والشباك وغيرها.
وأكد الدكتور ناصر بن صالح الإسماعيلي على أهمية الاستثمار التربوي والثقافي في المعالم التاريخية من قلاع وحصون ومساجد وأسوار، عبر خطط تكاملية تنفذها الجهات المعنية بمشاركة المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
وأشار إلى أن إدراج هذه المعالم ضمن مناهج التربية والتعليم، يُعد خطوة جوهرية في ترسيخ الوعي الوطني لدى الناشئة، حيث يتعرّف الطالب منذ مراحله الأولى على تاريخ آبائه وأجداده، مستلهمًا من ذلك الطموحات المستقبلية بروح وطنية أصيلة. وتناولت الجلسة عددًا من المحاور المتعلّقة بوظائف هذه المنشآت الدفاعية، وأهميتها الثقافيّة والاجتماعيّة، ودورها في تعزيز الهُوية الوطنية، كما ناقشت إمكانات استثمارها سياحيًّا في ضوء مستهدفات رؤية عُمان 2040.
من جانبها نظمت مكتبة عمان الوطنية جلسةً حواريةً حول المكتبة ودورها الفكري والحضاري، ناقشت مشروع مكتبة عُمان الوطنية ودور العُمانيين وإسهاماتهم الفكرية والعلمية منذ صدر الإسلام، والببليوجرافية الوطنية وأهميتها في الحفاظ على النتاج الفكري العُماني، بالإضافة إلى المخطوطات ودورها في حفظ التراث الفكري الوطني، ومكتبة الأطفال ودورها في صناعة القارئ الواعي وبناء الإنسان منذ الطفولة.
وقال سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب المفتي العام لسلطنة عُمان بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إن مشروع مكتبة عُمان الرقمية مشروع ثقافي رائد للمثقفين والباحثين والمهتمين، وأن المكتبة العمانية بشكل عام تاريخها ممتد، ونشاطها معروف منذ عهد الإسلام والنبوة ومنها انتقالًا إلى الصحابة، الذين بدأوا بالتدوين بعد دخول الكثير من القبائل غير العربية إلى الإسلام، حيث وجدوا ضرورة تدوين العلم الاسلامي وبدأ جابر بن زيد فألف ديوانه الذي اشتمل على الأحاديث التي رواها عن الصحابة والنبي عليه الصلاة والسلام وآرائه في التفسير.
وقال الدكتور موسى بن ناصر المفرجي المشرف على مشروع مكتبة عُمان الوطنية إن المكتبات بشكل عام عبر تاريخها الطويل ارتبطت بالحضارات، وسلطنة عُمان حضارتها ضاربة منذ القدم، مشيرًا إلى أن ظهور المكتبات في أي مجتمع يتطلب مجموعة من العناصر أهمها المدارس العلمية والمؤسسات التعليمية والبحثية وأن العمانيين قد أنشؤوا المدارس العلمية منذ صدر الإسلام وكان لها الدور البارز في حركة التأليف والتي أدت إلى ظهور المكتبات.
وذكر أن أول مكتبة ظهرت في سلطنة عُمان كانت في ولاية صحار وأنشأها الإمام محمد بن محبوب وهو أحد الخريجين الخمسة الأوائل من مدرسة البصرة، ومن ثم توالى ظهور المكتبات الخاصة (مكتبات الفقهاء والعلماء وغيرهم)، الأمر الذي أدى إلى ظهور نوع جديد من المكتبات التي تندرج ضمن المكتبات الأكاديمية مثل مكتبة حصن الحزم ومكتبة حصن جبرين التي هدفت إلى تخريج العلماء والقضاة. من جانبه تحدث محمد بن خميس البوسعيدي عن الببليوجرافية الوطنية وأهميتها في الحفاظ على النتاج الفكري العُماني وتنظيمه وإدارته وفق منهجية علمية رصينة والمتضمن للتوثيق والإيداع القانوني للمصنفات وإنشاء قوائم فعالة بمصادر المعلومات المختلفة، الأمر الذي يسهل الاستفادة منها والوصول إليها.
وأشار في حديثه إلى بعض المؤلفات المطبوعة منها (رسالة في معرفة كتب أهل عمان) من القرن العاشر الهجري، و (ببليوجرافيا في تاريخ عمان) من عام 1974م، ومقال بعنوان (الإباضية في أعمال المستشرق البولوني تادوز ليفيكي: ببليوجرافيا) لكاتبه محمد عيسى موسى.
وأشار محمد بن عبيد المسكري من دار المخطوطات العمانية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب في حديثه حول المخطوطات ودورها في حفظ التراث الفكري الوطني إلى الدور المؤسسي الحكومي في العناية والحفاظ على المخطوطات مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام ليس وليد اللحضة وإنما يعود للفترة التي أنشئت فيها هيئة معنية بجمع المخطوطات في بداية السبعينات وأن نتاج هذا الجمع هو النواة لمجموعة المخطوطات التي تحتفظ بها دار المخطوطات بالوزارة اليوم.
وتحدثت سارة المعمرية عن مكتبة الطفل التي ستضمها مكتبة عمان الوطنية عن ضرورة الاستثمار في الأطفال إذ أنه يمثل استثمارًا لمستقبل الوطن وحضارته، مشيرة إلى أن أهمية المكتبة تتمثل في إيجاد علاقة وطيدة بين الطفل والمكتبة، وكونها حاضنة للذاكرة الوطنية ومعززة للهوية الثقافية من خلال نقل الذاكرة للأجيال وتعزيز الهوية لديهم منذ الطفولة وتوفير محتوى وطني موثوق ومناسب للأطفال.
ونظم مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم جلسة حوارية بعنوان: جهود معهد السلطان قابوس في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها والتواصل الحضاري بين الشعوب، ناقشت أساليب التدريس والتعريف بالثقافة العُمانية في الدورات التي يقدمها المعهد، واستعرضت تجارب تعليم اللغة العربية في أوزبكستان وإندونيسيا.
وقال عثمان بن موسى السعدي، مساعد مدير المعهد للبرامج التعليمية: إن معهد السلطان قابوس في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها يقدم رسالة سلطنة عُمان دولةً للتسامح والسلام، وهذه الرسالة لابد أن تصل إلى مختلف دول العالم، وقمنا بجهود كبيرة في تعريف مختلف دول العالم بسلطنة عُمان، كما تسهم في تبادل المواضيع البحثية بين سلطنة عُمان ودول أخرى في تعزيز التواصل الحضاري. واستعرضت الجلسة الحوارية تجربة تعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها في كل من إندونيسيا وأوزبكستان، حيث إن البيئة التعليمية في تلك الدول متنوعة وكان للدافع الديني دور كبير في اهتمامهم لتعلمها.
ومن المناشط نظم معرض اشتمل على زوايا عديدة تختص بمناشط الطفل والأسرة قدمت أنشطة تفاعلية كالقراءات القصصية وحلقات العمل والألعاب التعليمية والعروض المسرحية، ورصدت تفاعلًا كبيرًا ومشاركات واسعة من قِبل الأطفال وأسرهم. ووفر ركن الطفل بالمعرض برامج متنوعة هدفت إلى إيجاد ما يتطلع الطفل إلى معرفته، وتضمن فعاليات مختصة بالتراث العُماني لتعزيز الهوية الوطنية وتأصيل الارتباط بالبيئة العُمانية لدى الطفل.
وتسهم واجهة الطفل في منصة عين في تشكيل الوعي لديه وتطوير شخصيته وتعزيز انتمائه الوطني، كما تقدم محتوى آمنًا يثري أوقات فراغه ويخاطبه بطريقة تفاعلية. وركن المعرفة وفر، أسرار الاستثمار الذكي وكيفية تنمية المال وتشجيع الأطفال على الاستثمار بثقة وإدراك. وتميز ركن المسرح بتقديم فعاليات تقوي شخصية الطفل وتصقل مهاراته الاجتماعية وتنمي الإبداع والابتكار لديه، كفعالية تحدي الوقت مع القراءة وفي بيتنا مسعف وألعاب الخفة وأبطال نجم الفصاحة وغيرها. وأقام مركز ثقافة الطفل فعاليات تركز على زيادة المعرفة وتوسيع الآفاق وتنمية الخيال لدى الطفل كفعالية قسم ثقافتنا العُمانية بعيون رقمية وقسم فنون بصرية. بالإضافة إلى ركن الضاد الذي نفذ حلقات تفاعلية تمنح الأطفال عالمًا من الفرص والإمكانات وتساعدهم على تحسين الأداء الأكاديمي ومنها: الألغاز والألعاب التعليمية وقراءة في كتيب كيف أحمي نفسي؟وبلغ عدد فعاليات الطفل والأسرة بالمعرض هذا العام ١٥٥ فعالية، منها العروض التفاعلية والترفيهية والمبادرات الشبابية والمجتمعية التي تسعى جميعها لتشجيع الطفل على المشاركة الفاعلة في عملية التعلم.
