ينطلق طرحنا للموضوع من فرضيَّتيْنِ أولاهما: ارتفاع درجة حرارة الصَّيف وأثره في زيادة نسبة الحرائق حيثُ تشير إحصائيَّات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أنَّ عدد حوادث الحرائق بلغتْ بنهاية عام 2023 (4.600) حادث مرتفعة بنَحْوِ (10%) عن عام 2022، حيثُ توزَّعت وفق نوعها حسب الآتي: «منشآت سكنيَّة (33%)، ووسائل نقل (21%)، ومخلَّفات(21%)، وزراعيَّة (10%)، وشركات ومؤسَّسات تجاريَّة (6%)، ثمَّ أخرى (9%) وثانيتهما: الميزة النسبيَّة التَّنافسيَّة الَّتي تجعل من فصل الصَّيف استثنائيًّا، يصحبه حركة نشطة للسَّفر والسِّياحة والتنقل، سواء كان في وجهات سياحيَّة خارج سلطنة عُمان؛ أو داخليَّة في ظلِّ الجاهزيَّة الوطنيَّة لـ»خريف ظفار السِّياحي»؛ الأمْر الَّذي يتطلب رفع درجة الوقاية والأمان في امتلاك الأدوات والآليَّات الاحترازيَّة والوقائيَّة، والتَّعامل مع الظُّروف والمواقف الَّتي تستدعيها متطلبات السَّفر والسِّياحة، نظرًا لِمَا ينتج عن التَّساهل فيها من تعريض حياة الفرد والأُسرة أو الممتلكات والأموال للخطر. وذلك من خلال جملة الموجّهات الآتية:
ـ الوقوف بجديَّة على كُلِّ ما يصدر من الجهات المختصَّة بسلطنة عُمان بشأن الإجراءات والمحدّدات المرتبطة بالسَّفر والسِّياحة والسَّلامة المدنيَّة العامَّة؛ والاحتياطات الوقائيَّة والأمنيَّة المناسبة في سبيل حماية الممتلكات الخاصَّة من السَّرقة عِندَ الخروج من المنزل أو إجراءات السَّلامة الداخليَّة المتَّخذة منعًا من حدوث أيِّ التماس كهربائي، وعَبْرَ المتابعة الدوريَّة للتَّجهيزات الكهربائيَّة والصِّيانة الدوريَّة لها من ذوي الاختصاص، والتَّأكد من إغلاقها عِندَ الخروج من المنزل، وتثقيف الأُسر بالاحتياطات والواجبات والإرشادات الَّتي عَلَيْها الالتزام بها عَبْرَ زيادة مستوى الوعي والتَّثقيف والقراءة والمتابعة للتَّعليمات في هذا الجانب.
ـ جملة التَّدابير الاحترازيَّة والإجراءات الوقائيَّة الَّتي يفترض أن يتعلَّمَها المواطن ويمتلكها كجزء من سُلوكه الشَّخصي في تحصين نَفْسه ورفع مستوى الجاهزيَّة والاستعداد والتنبُّؤ بالمخاطر والحسِّ الأمني لدَيْه لصَيفٍ آمِن بعيدًا عن المنغِّصات والأحزان بحيثُ يشعر فيه بمزيدٍ من الأُنس والسَّكينة والاستقرار، وإبقائه وأُسرته بعيدًا عن المخاطر أو معكّرات المزاج.
ـ تعظيم الوعي المُجتمعي بقضايا الامن والسَّلامة الشخصيَّة والعامَّة على حدٍّ سواء في ظلِّ حوادث الصَّيف المتعدّدة، سواء ما يتعلق مِنْها بحالات الحريق، والأدوات والتَّجهيزات الكهربائيَّة، سواء مِنْها ما يتعلق بمسبِّبات الحريق، وحُسن استخدام التَّوصيلات الكهربائيَّة، أو التزام قواعد السَّلامة في السِّباحة والأدوات الَّتي تهيئ له فرص تحقيق معايير السِّباحة في الشَّواطئ والبِرك المائيَّة والشَّاليهات أو الأحواض في المنازل، أو في أثناء رحلات التَّخييم الأُسريَّة والعائليَّة، أو ما يتعلق بأدواته الشخصيَّة والمحافظة عَلَيْها، والنَّظافة الشخصيَّة العامَّة، أو غيرها من السلوكيَّات الَّتي تؤثِّر على صحَّة الفرد الجسديَّة والنَّفْسيَّة والفكريَّة.
ـ تبسيط وإشاعة مفاهيم الأمن والسَّلامة في حياة النَّاشئة والأُسر من خلال جملة من الموجّهات العمليَّة والبرامج التوعويَّة والتثقيفيَّة لِتتَّجهَ إلى تبسيط تدريس قوعد الأمن والسَّلامة بأُسلوب سَلِس سهْل يعتمد على مواقف محاكاة وتعريض طلبة التَّعليم ـ نظرًا لارتباط الصَّيف بإجازة الطلبة الصَّيفيَّة ـ لِتشكِّلَ نماذج تطبيقيَّة تعزِّز روح المبادرة والتَّطوير والتَّحسين لدَى الطَّلبة بما من شأنه تجسيد هذه المفاهيم في واقع حياتهم اليوميَّة، وفهم آليَّات التَّعامل معها والمهارات والممكنات الَّتي يَجِبُ أن تكُونَ حاضرة في سُلوك المتعلِّم، أو يستدركها بشكلٍ صحيح ومتوازن كُلَّما اشتدَّتِ الضرورة، هذا الأمْر يأخذ في الحسبان كفاءة المحتوى وكفايته وشموليَّته واتِّساعه وعُمقه وقدرته على استيعاب نوعيَّة الحوادث الَّتي يتعرض لها الطَّلبة في واقعهم اليومي، وإيجاد منصَّات محاكاة عمليَّة لتطبيق هذه القواعد وكيفيَّة التَّعامل معها في بيئة المدرسة والأُسرة والمُجتمع.
ـ طرح برنامج وطني متكامل في قضايا الأمن والسَّلامة العامَّة والسَّلامة الوقائيَّة، والَّتي من خلالها يتمُّ توظيف التقنيَّات الحديثة والذَّكاء الاصطناعي والمنصَّات الاجتماعيَّة لتعزيزِ الإعلام الوقائي، وبثّ البرامج الإعلاميَّة والتوعويَّة والتحذيريَّة والنَّصائح والتَّعليمات عَبْرَ المنصَّات الإعلاميَّة الرسميَّة والخاصَّة والفرديَّة ومنصَّات التَّواصل الاجتماعي واليوتيوب وغيرها في تشجيع المُجتمع على تداول هذه الأطروحات والتَّعامل معها بجديَّة وخلق سُلوك اجتماعي واعٍ وثقافة مُجتمعيَّة رصينة تستوعب مفاهيم الصَّيف وتتعامل معها بمزيدٍ من الاهتمام والفهم، وترفع درجة الوعي واليقين لدَيْه في التَّعامل مع مفردة الصَّيف.
ـ تمكين المواطن من التَّعامل الواعي مع درجة المخاطر ومتطلبات السَّلامة في تنقُّله بَيْنَ الدوَل وأسفار الصَّيف السِّياحيَّة خارج الوطن، بحيثُ يمتلك حسّ المعرفة وكفاية المعلومة بالوجهة الَّتي يريد، والثَّقافة الَّتي يتفاعل معها، والنَّاس الَّذين يخالطهم، حتَّى تكُونَ له دليلًا وهاديًا ومرشدًا من الوقوع في المحظور، حاملًا معه ما عَلَيْه أن يُبرزَه لجهات الأمن في وطنه وخارجه من بطاقة الهُوِيَّة الشخصيَّة وجواز السَّفر والتأشيرة الإلكترونيَّة وغيرها، عارفًا بالآداب والمبادئ والأخلاقيَّات الَّتي عَلَيْه أن يرسّخَها في تعامله مع المُرشدِين السِّياحيِّين أو البيئات السِّياحيَّة والترويحيَّة الَّتي يزورها، ملتزمًا بالقوانين والأنظمة واللَّوائح، مدركًا ثقافة الآخرين وهُوِيَّتهم، وطريقة لبسهم وآليَّة تعاملهم وأُسلوب عملهم، وقراءة التَّعليمات الَّتي ينصح بها الأمن وجهات الاختصاص وسفارات سلطنة عُمان وقنصليَّاتها في تلك الدول، بما يَضْمن الابتعاد عن أماكن المظاهرات والتَّجمُّعات السِّياسيَّة والحزبيَّة، أو الدخول في التَّحريض للدَّعوات الترويجيَّة والدعائيَّة حاملًا معه أخلاق العُمانيِّين وسَمْتهم وقِيَمهم.
ـ تفعيل دَوْر سفارات سلطنة عُمان وقنصليَّاتها في الخارج وشركات السَّفر والسِّياحة في توفير المعلومات المناسبة وتعزيز خطوط التَّواصل مع المواطن في البُلدان، ومساعدته في تحقيق أفضل معايير الأمن والأمان والوقاية والسَّلامة وتعريفه بكُلِّ الضرورات الَّتي يحتاجها في معاملاته وتعاملاته واستخدامه للمنصَّات التفاعليَّة أو غيرها من شؤون الحياة اليوميَّة، لِتبقَى مزون الحكمة والاتزان في تصرفات أبناء هذا الوطن محطَّات تستنطق القِيَم وتجسِّد الأخلاق في استدراك ما تعنيه مفردة سياحة الصَّيف خارج بلدهم أو داخله من التزامات وواجبات من أجْل صَيف آمِن خالٍ من الحوادث ومعكِّرات المزاج.
ـ المحافظة على درجة التَّوازنات في الشخصيَّة العُمانيَّة وعَبْرَ امتلاك المواطن ثقافة أمنيَّة واعية، يدرك خلالها ماله من حقوق، وما عَلَيْه من واجبات ومسؤوليَّات والتزامات، مبنيَّة على قواعد علميَّة متينة، ومنهجيَّات عمليَّة دقيقة، ونقل المعلومات من مصادرها الرَّئيسة، واختيار وانتقاء مصادر المعرفة الَّتي يحصل الفرد، وصدق المعلومة وتجدد المعرفة المناسبة، بحيثُ يقرأ فيها مساحة أوسع من الأمان والاستقرار والسَّلامة، فيسلك فيها مسلك المتأمل الحذر، والمتمعِّن الحصيف الفطن منعًا من وقوعه في مصيدها أو تعرّضه لتشوُّهاتها، ويقلّل من الصَّدمات السلبيَّة على صحَّته النفسيَّة، فيمتلك حصانة ذاتيَّة ترتقي به فوق الصَّدمات، وعِندَها يصبح نُمو هذه الثَّقافة أكبر من كونه حالة مزاجيَّة أو سُلوكًا وقتيًّا يرتبط بواقعه أو حادثه، بل ثقافة أصيلة مُتجدِّدة لوقاية الإنسان من الوقوع في مصيدة المنصَّات والمشعوذين والدجَّالين، أو الجري خلف ناشطي الدعاية والإعلانات الَّذين يستدرجون النَّاس ويفرغون جيوبهم بدعاياتهم وإعلاناتهم، فهي بذلك ممارسة أصيلة تمنع الفرد من الوقوع في المحظور أو تجنّبه المشاركة فيه، وهو أمْر لا يستقيم إلَّا في ظلِّ فهمٍ ووعي وإدراك ومسؤوليَّة، كما لا يكفي أن يتعلم ما يجوز مِنْها وما لا يجوز، بل أيضًا يدرك الصورة القانونيَّة والتشريعيَّة والضبطيَّة وما فيها من جزاءات وعقوبات، وتعزيز ثقافة الحسِّ الأمني الَّذي يضع الفرد أمام امتلاك حدس التوقُّعات الأمنيَّة والتنبُّؤ بالظُّروف وامتلاك سيناريوهات العمل وإجراءات العمل وحسّ التَّعامل معها.
أخيرًا، يبقى الصَّيف محطَّة استثنائيَّة لصناعةِ الوعي الجمعي وإنتاجه وتطبيقه في ميدان الواقع حيثُ تتجسد فيه شخصيَّة المواطن العُماني وهو يطوف حَوْلَ العالَم متوقفًا في مُدنه ومعالمه، مستحضرًا أخلاق الإنسان وإنسانيَّته في كُلِّ المواقف والمصادفات الَّتي يتعرض لها، أو عَبْرَ بناء سُلوك إيجابي ومسار أخلاقي واضح في التَّعامل مع مقوِّماتها الطَّبيعيَّة المتنوِّعة وإظهار محاسنها بكُلِّ ذَوق واحترام قِيمتها الجَماليَّة، وتقدير كُلِّ الجهود السَّاعية إلى جعلِ صفاء هذه البيئة ونظافتها ونقائها وعذوبتها وجَمالها ودلالها مرتبطًا بمساحات الوعي السِّياحي والسُّلوك الآمن والشُّعور بالمسؤوليَّة الشخصيَّة، لِتبقَى مواقف الصَّيف بكُلِّ تفاصيلها محطَّات لا تُنسى حاملةً معها رصيد الذكريات والدروس المتعلَّمة.
د.رجب بن علي العويسي