على المؤمن أن يثق بالله ثقة ما لها حدود، لعلمه أن الله قادر على فعل كل شيء، وأنه المهيمن على ما في الوجود (لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا)، وأنّ من دونه لا يملكون شيئًا من خارج إرادته (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر ـ 67)، وقد تمر على الإنسان بعض الشدائد، فالدنيا دار تمحيص وابتلاء وتحديات، (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة ـ 155)، من شأن تلك الابتلاءات معرفة من هم المستحقين للجنة بثباتهم وقوة تحملهم:(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة ـ 214)، ولا يكون الصبر والتحمل عند الشدائد والكرب إلا بحسن الظن بالله والثقة في نصره وتوفيقه، وهذا الظن الحسن الإيمان. لكن هذا الإيمان مهدد بالتزعزع من آفة خطيرة هي سوء الظن بالله عز وجل، تتكشف هذه الآفة عند مرور الإنسان بمحنة وشدة واختبار، فإن كان إيمانه راسخًا وثقته بالله متينة تجده يصبر ويجاهد ويحتسب ويستمد نصره وفرجه من حسن ظنه بربه، وإن أساء الظن بالله تقهقر وانهزم بهشاشة إيمانه، ولقد مرت على الصحابة شدائد كثيرة مع رسول الله، فأثبتوا حسن ظنهم بالله رغم قسوة بعضها، ومنها يوم بدر إذ علقوا أملهم بالله وأوكلوا إليه النصر رغم الفارق الكبير بين عددهم وعدتهم مع أعدائهم (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران ـ 123). * مفهوم سوء الظن: هو أن يُظنَّ بالله ظنًّا لا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى وقدرته وحكمته ... كالظن أن الله لا ينصر جنده، وهو القائل:(وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، وتوعد الله تعالى من يظن به سوء الظن بأشد العذاب:(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً)، إذن سوء الظن بالله من الكبائر، وحسن الظن بالله من الإيمان الراسخ، ومنه فأل الخير بحسن العواقب من الله القادر المقتدر.
سامي السيابي
كاتب عماني
(فريق الهلال ـ نفعاء)