الجمعة 02 مايو 2025 م - 4 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

الطهارة الخفية «1»

الأربعاء - 09 أبريل 2025 01:41 م
10

تدارسنا في درس سابق ما يسمى بـ(الشرك)، وإشراك غير الله في توحيده وعبادته، وعلمنا أن هذا يبعد الإنسان عن دائرة الإسلام بعدا سحيقا استحق حياله العقوبة الكبيرة من الله يوم القيامة، وعلمنا أن الشرك هو ممارسة ظاهرة واضحة لأعمال الشرك من عبادة للمخلوقات والشياطين والأصنام، سواء كانت تلك الممارسات مصحوبة بنية القلب تعمدًّا أو غير عمد، ولكن قد يأتي الشرك بطريقة مخفية غير واضحة، تمارس بالنوايا القلب فقط دون عمل الجوارح الظاهرة، فهذه الحالة تظل النية شركًا بالله يعلمها الله وهي مخفية عن الناس، فتسمى في هذا النوع من الشرك (الرياء).

والرياء يعدّ مرضا قلبيا، وهو ليس بأقل خطورة من المعاصي، لأنه مفسد للأعمال الخيرة، فيلقى به العبد ربه بأعمال غير متقبلة، فتنتابه الحسرة والندم، وعليه وجب التطهر من مرض الرياء، وفي هذا الدرس نتعرف على هذا المرض الموبق الخطير، ونتعرف على أعراضه وكيفية علاجه، لنقي منه أنفسنا ونحذّر منه الناس، وسبب دراستنا للرياء تعود إلى حرصنا أن نلقى الله بقلب طاهر سليم من أية شائبة تلحقه، أو تضرُّ به، ولكي يستقيم أمرنا وتتزن دعوتنا ونستطيع أن نصدع بالحق حيثما كنا:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف 110).

ومفهوم الرياء هو عكس الإخلاص، وهو في شرعنا: إظهار العمل الصالح ليفخر به عند الناس. إذن يتبين من التعريف أن الرياء هو عبارة عن عملين:(عمل صالح ونية للناس)، فالعمل الصالح كالصلاة والصوم والأعمال الخيرية كلها، ولكن يؤديها المرائي ليس خالصة لوجه الله، وإنما تكون نيته للناس.

وسبب الرياء هو الفخر والشهرة ونيل المكانة الرفيعة عند الناس، فبالعمل الصالح الذي يؤديه المرائي أمام الناس يهدف منه إلى نيل إعجابهم ومدحهم، فيحظى بمكانة رائقة في أوساطهم، ومن خلال تلك المكانة يحقق مآرب أخرى قد تكون خبيثة، ويُعدُّ الرياء شركًا أصغرًا، كما سماه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال:(إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً) (رواه أحمد)، وعلى المؤمن أن يمارس عبادته خالصة لله:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البيّنة ـ 5).

أما أنواع الرياء فمنها:(الرياء في البدن) وهو بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة، و(الرياء بالهيئة والزي) فمثل تشعيث الشعر، وإطراق الرأس في المشي، والهدوء في الحركة، وإبقاء أثر السجود على الوجه، ولكن التزيّن لأجل الله وحده ليس فيه رياء، و(الرياء بالقول) فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لمدح الناس، ولإظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر ليراه الناس.

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق الهلال ـ نفعاء)