الخميس 13 مارس 2025 م - 13 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

حماس قلب فلسطين النابض

حماس قلب فلسطين النابض
الأربعاء - 12 مارس 2025 02:00 م

خميس بن عبيد القطيطي

170

منذُ بداية التَّاريخ الإنساني لم يعرفْ أبدًا أنَّ أيَّ احتلال خرج طواعية من الأرض الَّتي احتلَّها إلَّا بالمقاوَمة وتقديم تضحيات جِسام من قِبل أبناء الأرض المُحتلَّة. وفلسطين بما تحمل من رمزيَّة في التَّاريخ العربي والإنساني ليسَتْ استثناء عن تلك القاعدة الأزليَّة، فمنذُ بدايات الصِّراع والتَّأسيس للانتداب البريطاني ومخلَّفات سايكس ـ بيكو 1916م ووعد بلفور 1917م، ومؤتمر سان ريمو 1920م، وبداية سريان مفعول الانتداب في الـ(29) من سبتمبر 1923م لم يتراجعْ أسلافُنا العرب ـ وخصوصًا أبناء فلسطين ـ عن فكرة المقاوَمة المتجذِّرة في الثَّقافة والتَّاريخ والحضارة، وقدَّموا قوائم كبرى من الشُّهداء في ثوراتهم وانتفاضاتهم وعمليَّاتهم الفدائيَّة؛ لأنَّ قاعدة التَّحرير تَقُومُ على مقاوَمة المُحتلِّ وهي ثابتة راسخة لا تتغيَّر. واستمرَّتْ تلك الفكرة مع امتداد فترة الانتداب على فلسطين حتَّى قرار التَّقسيم عام 1947م وما تلاه من تأسيس ما يُسمَّى (إسرائيل) في الـ(15) من مايو 1948م، لتبدأ مرحلة أُخرى أكثر قوَّة في مقاوَمة الاحتلال بدأَها العرب منذُ ذلك التَّاريخ رغم قلَّة إمكاناتهم فقدَّموا آلاف الشُّهداء دفاعًا عن فلسطين؛ لأنَّهم يدركون أنَّ ما أخذ بالقوَّة لا يُستردُّ إلَّا بالقوَّة، والمعركة هي معركة وجود لا معركة حدود، والعلاقة بَيْنَ الصِّراع والتَّحرير علاقة مُزمنة وليسَتْ طارئة، فقامتْ عدَّة حروب سُمِّيَتِ الصِّراع العربي ـ الصهيوني خلال عامَي (48/49) وحرب (67) وحرب الاستنزاف (67ـ1970م)، وأخيرًا حرب أكتوبر 1973م. وبعد اتفاقيَّة (كامب ديفيد) اقتصر الصِّراع مع العدوِّ على العمليَّات الفدائيَّة الفلسطينيَّة والانتفاضات، مِنْها انتفاضة الحجارة 1987م، وفي ذلك التَّاريخ تأسَّستْ حركة المقاوَمة الإسلاميَّة (حماس) أي أنَّها وُلِدَتْ من رحمِ انتفاضة الحجارة، ثمَّ جاءتْ انتفاضة الأقصى عِندَما دنَّس أرييل شارون بعساكره باحات المسجد الأقصى في الـ(28) من سبتمبر 2000م فاشتعلت الانتفاضة الثَّانية الَّتي لم تتوقفْ حتَّى الـ(9) من فبراير 2005م، وأثمرتْ عن انسحاب صهيوني من قِطاع غزَّة، بعدَها حاولَ الاحتلال فرض الأمْر الواقع على المقاوَمة المتجذِّرة في الجينات الفلسطينيَّة، لكنَّه فشلَ في كسرِ المقاوَمة، وفشلَ في إنهاء انتفاضة الأقصى لِمدَّة خمس سنوات، ثمَّ حدثتْ مواجهات عديدة في أعوام (2008ـ2009م)، ثمَّ في عام 2012م، ثمَّ في عام 2014م، ثمَّ في 2018م، وسيف القدس عام 2021م، وأخيرًا معركة طوفان الأقصى يوم السَّابع من أكتوبر 2023م الَّتي تداعتْ لها القوى الدّوليَّة في مساندة الكيان الصهيوني، فلم يدَّخرْ جهدًا بالإمعان في القتل والدَّمار من أجْلِ تحقيق أهداف العدوان، لكنَّه لم يستطعِ استعادة أسراه، ولم يتمكنْ من كسرِ شوكة المقاوَمة، واستمرَّتْ صواريخ الشَّرف والكرامة تدكُّ معاقل مستوطناته ليل نهار، وقبَعَ مستوطنوه في ملاجئ تحت الأرض، فتوقَّفَ اقتصاده وكُلُّ مجالات الحياة لدَيْه، كما ازدحمتْ مطاراته بالمهاجرين في هجرة عكسيَّة إلى خارج فلسطين. لذا تكبَّد الكيان الصهيوني خسائر فادحة رغم الجسور الجويَّة والبحريَّة الَّتي انهالتْ عَلَيْه، وبيانات الدَّعم الدّوليَّة المُعلَنة، فظلَّ طوال خمسة عشر شهرًا من الصِّراع الدَّامي والدَّمار الَّذي لَحقَ بالقِطاع لم يتمكنْ من تهجير مواطن واحد من قِطاع غزَّة.. هكذا سجَّل أبناء غزَّة ملحمةً تاريخيَّة جسَّدتْ معنى الانتماء للأرض والتَّمسُّك بالقضيَّة، والاندماج مع المقاوَمة الَّتي تجذَّرتْ في الوجدان، وحدثتْ ملاحم بطوليَّة، حيثُ أطْلَقَ سكَّان غزَّة صرخات التَّحدِّي وهُمْ يخرجون من تحت الأنقاض وينتشلون جثث أطفالهم أنَّهم فداء للمقاوَمة وفداء للقسَّام وفداء لحماس.. هكذا هي فكرة المقاوَمة والكرامة الإنسانيَّة، فلم تأخذِ المقاوَمة الدنيَّة رغم ارتقاء أكثر من (50) ألف شهيد وأكثر من (120) ألفَ مُصاب ودمار شامل وارتقاء عددٍ من قادة المقاوَمة، في مقدِّمتهم السنوار وإسماعيل هنيَّة والعاروري وغيرهم من الشهداء الأبطال. وكانتْ ملحمة الطوفان، الَّتي وحَّدتِ السَّاحات من جنوب لبنان إلى اليمن والعراق، تسجِّل حالة نَوعيَّة في معركة طوفان الأقصى، وبمجرَّد إعلان وقفِ إطلاق النَّار وتبادل الأسرَى شكَّلتِ الصُّورة والمشهد حقيقة المعركة الَّتي يحاول البعض التَّغافل عَنْها، فخرجتْ حماس وفصائل المقاوَمة كطائر العنقاء من بَيْنِ الرُّكام والنَّار يحلِّق في الفضاء، حيثُ جسَّدتْ مراسم تسليم الأسرَى الصَّهاينة وهو اتِّفاق فرضَ على الاحتلال وليس اتِّفاق الضَّعيف. فمقابل تسليم كُلِّ أسيرٍ من الصَّهاينة حيًّا أو ميتًا يقابله (30) أسيرًا فلسطينيًّا. وهذه الصُّورة شكَّلتْ معانيَ خالدة في ذاكرة الرَّأي العامِّ العالَمي الَّذي عَرف معنى قداسة القضيَّة الفلسطينيَّة لدَى أبنائها، وتجذُّر المقاوَمة في أبناء الشَّعب الفلسطيني، وأنَّ هناك جيلًا آخر يولدُ أقوى ممَّا سبقَه، وأنَّ المقاوَمة هي الحقيقة الرَّاسخة، وهذا الطَّريق لا يُمكِن التَّراجعُ عَنْه، وأنَّ حماس هي المقاوَمة والمقاوَمة هي فلسطين، وهذا يعني أنَّ حماس هي نبض فلسطين، وهي قدر ثابت لا يتغيَّر في معادلة الصِّراع، ممَّا يؤكِّد أنَّ فشلَ الصَّهاينة في المواجهات السِّت الماضية منذُ عام 2000 وحتَّى تنفيذ وقفِ إطلاق النَّار في طوفان الأقصى الـ(19) من يناير 2025م.. كُلُّ تلك المواجهات تخرج حماس أقوَى ممَّا كانتْ عَلَيْه، بل تُعِيدُ استنساخ نَفْسها وميلاد أبطالها، وتُجدِّد قدراتها وتستميتُ في تمسُّكها بقضيَّتها حتَّى يأتيَ وعْدُ الله وينجز مشروع التَّحرير.

ما يُثار اليوم في دهاليز المفاوضات والمقترحات والتَّصريحات والاختبارات النَّفْسيَّة ما هو إلَّا فقَّاعات لا تنتج إلَّا الوهم، وما هذا التَّسويف والمداورة السِّياسيَّة إلَّا محاولة لكسبِ مزيدٍ من الوقت على حساب الأمن والاستقرار، وعلى حساب الوضع الدَّاخلي المنقسم في المُجتمع «الإسرائيلي»، وعلى حساب أولئك الأسرَى الَّذين ما زالوا يقبعون تحت سيطرة حماس وفصائل المقاوَمة، أولئك الأسرَى الأحياء مِنْهم والأموات كُلُّهم ينتظرون الالتقاء بأهالِيهم وأُسرهم للاحتفاء بالحُريَّة بعد عام ونصف من الأسْرِ، ولِيقيمَ ذوو القتلَى مراسم التَّأبِين بعدما قضَوا تحت ضربات جيش الاحتلال الصهيوني، ففي الوقت الَّذي يفترض أن يسارعَ الطَّرف الصهيوني والدّولي للتَّوصُّل إلى صيغة تبدأُ فيها المرحلة الثَّانية من الاتِّفاق للأسف ما زالوا يُساوِمون بشعارات فارغة ويتشدَّقون بتصريحات لا معنى لها في واقع الصِّراع مِثل عدم وجود مستقبل لحماس في غزَّة؟! وتسليم أسلحة المقاوَمة؟!! وهذه كُلُّها أضغاث أحلام، فما لم يتمَّ تحقيقه طوال خمسة عشر شهرًا من العدوان لن يتحقَّقَ بهذه السِّياقات والتَّصريحات الفارغة؛ لأنَّ حماس تمثِّل مشروعًا وطنيًّا وأبناء الشَّعب الفلسطيني أدركوا أنَّ ما أُخذ بالقوَّة لا يُستردُّ إلَّا بالقوَّة، وطريق التَّحرير لن يأتيَ إلَّا من خلال البندقيَّة، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأنَّ حماس تجسَّدتْ في كُلِّ قلبِ مواطنٍ فلسطيني، وهي اليوم تُعِيد إنتاج نَفْسِها بكُلِّ عنفوان وصلابة وإرادة، وأنَّ هذا الشَّعب العظيم المُرابِط كما قال عَنْهم رسول الله صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: «لا تزال طائفة من أُمَّتي على الدِّين ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرُّهم مَنْ خالَفَهم إلَّا ما أصابهم من لأواء، حتَّى يأتيَهم أمْر الله. وهم كذلك»، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس». وهذا الحديث الشَّريف عن رسولنا الكريم قَبل خمسة عشر قرنًا من الزَّمان وهو يحاكي الواقع الفلسطيني اليوم. فلأولئك اللاهثون على تسويف الوقت وإطالة أمَدِ المفاوضات نقول: حماس باقية تَقُودُ شعلة المقاوَمة وتتحمَّل التَّضحيات في سبيل التَّحرير وأبطالُها بَيْنَ النَّصر والشَّهادة، وحماس هي قلبُ فلسطين النَّابض تجذَّرتْ في الأجيال الفلسطينيَّة الَّتي ستحمل على عاتقها مشروع التَّحرير القادم ـ بعون الله ـ والله غالِب على أمْره، ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمون.

خميس بن عبيد القطيطي

[email protected]