في قلب الحياة البسيطة، حيث تتجلى عظمة العطاء في أبهى صورها، ولد ونشأ أحمد بن مسلم زغون، الرجل الذي لم يكن مجرد اسم في منطقته، بل قصة كفاح متوهجة بالعزيمة والإصرار، لم يعرف طريق المدرسة، ولم تزين الشهادات جدران منزله، لكنه صار مدرسة متحركة، ينهل منها الجميع في دروس العطاء والعمل الدؤوب.
نشأ أحمد في كنف والده بعد أن ماتت أمه وهو لا يزال رضيعًا، تولَّى أبوه تربيته، غمره بحنان الأم الغائبة، فكان أبًا وأُمًّا في آنٍ واحد، ورغم المرض الذي لازمه في طفولته، إلا أنه نشأ بعزم لا يلين، صامدًا أمام تحديات الحياة، لم يكن ممن يجيدون التنظير أو الكلام الكثير، بل كانت أفعاله تسبق كلماته، يحول الأحلام إلى واقع ملموس.
مع بلوغه العشرين، بدأت رحلته مع العطاء تتخذ منحًى جديدًا، سخر شاحنته الصغيرة لخدمة الناس، ينقل بها حاجات الفقراء، ويساعد الأرامل وكبار السن في منطقته، ويتولى بيع مواشيهم وإيصال أموالهم إليهم. لم يكن يبتغي سوى رضا الله وسعادة من حوله، وعندما ألهمه الله فكرة التجارة، لم يكن يسعى فقط للربح، بل كان يرى في كل مشروع وسيلة لتيسير حياة الآخرين.
بدأ تجارته بدكان صغير للأعلاف في مدينة الحق بولاية طاقة، ثم توسع ليشمل بيع المواد الغذائية والملابس، وأضاف إليه ملحمة توفر اللحوم بأسعار عادلة، لم يكن مجرد تاجر، بل كان رجلًا يحمل رسالة، يسعى لأن يجعل الحياة أكثر سهولة للناس في منطقته. لم تتوقف طموحاته هنا، بل استمر يساعد المحتاجين والفقراء، تنفق يمينه ما لا تعلم شماله، بالإضافة إلى ذلك استمر يتلمس ظروف الناس ويساعدهم، ويزور أرحامه على تباعد مناطقهم ويعمل ما يستطيع لمساعدتهم.
يتمتع أحمد بطاقة روحية وأخلاقية كما يتصف بالإرادة القوية والإصرار الذي لا يعرف التردد، فعندما كان يضع هدفًا نصب عينيه، لا شيء يقف في طريقه، وعندما كان يواجه تحدِّيًا، كانت علامته المميزة تظهر: يطرق صامتًا، ثم يشبك يديه أمام وجهه، وينظر بعيدًا ليبدأ بعد ذلك في تحويل أفكاره إلى واقع ملموس.
اليوم، وبعد سنوات من الكفاح، لم يتغير شيء في أحمد سوى أن دائرة عطائه اتسعت أكثر، ومشاريعه صارت جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس. إنه الرجل الذي لا يُكثر الكلام، لكنه يبني، يزرع، ويضيء الدروب. لم يسعَ وراء الأضواء، لكنه أصبح نورًا يهتدي به من عرفوه. وهكذا، يستمر أحمد بن مسلم زغون، رمزًا للعطاء، يكتب سيرته بأفعاله، ويترك بصمته في القلوب قبل الأماكن.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية