منذُ اليوم الأوَّل للعدوان «الإسرائيلي» على الفلسطينيِّين في قِطاع غزَّة في أعقاب عمليَّة السَّابع من أكتوبر 2023، باتَ واضحًا أنَّ الهدف الرَّئيس لـ»إسرائيل» من هذا العدوان الغاشم هو إرغام الفلسطينيِّين على النُّزوح من قِطاع غزَّة وتحديدًا إلى جزءٍ من شِبه جزيرة سيناء المصريَّة، وهو الأمْرُ الَّذي قوبل برفضٍ قاطع في بدايات العدوان، لِيزدادَ هذا الرفض وضوحًا مع تجدُّد الدَّعوات لتهجيرِ الفلسطينيِّين إلى مصر والأردن بعد وقف إطلاق النَّار.
فقَدْ عادَ الحديث عن دعوات التَّهجير بعد إعلان الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب أنَّه تحدَّث إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثَّاني من أجْلِ قَبول سكَّان غزَّة، وأنَّه سيتحدث إلى الرَّئيس المصري، قَبل أن يقولَ مساء اليوم التَّالي، إنَّه تحدَّث مع الرَّئيس المصري عبدالفتَّاح السِّيسي وقال «أعتقدُ أنَّه سيَقبل، لقَدْ ساعدناهم كثيرًا، ومتأكِّد أنَّهم سيُساعدوننا». لِيكرِّرَ ذلك بعدَها أنَّ الولايات المُتَّحدة ساعدتِ الدَّولتَيْنِ من قَبل وأنَّهما سيقبلان سكَّانًا من غزَّة، قَبل أن يُعِيدَ التَّأكيد الجمعة ويقول إنَّه يثقُ بأنَّهما سيفعلان.
لكنَّ هذه التَّصريحات قُوبلتْ برفضٍ أكيدٍ من قِبل الأردن الَّتي قال وزير خارجيَّتها أيمن الصَّفدي إنَّ رفضَ بلادِه لتهجيرِ الفلسطينيِّين هو أمْرٌ «ثابت لا يتغيَّر» وأنَّ «أولويَّتنا في الأردن تثبيت الفلسطينيِّين على أرضهم». كما جاء الرَّفض المصري من خلال تصريح للسَّفير المصري في واشنطن أعقبَه بيان من الخارجيَّة المصريَّة قَبل أن يأتيَ الرَّفض أكثر وضوحًا من خلال تصريح للرَّئيس المصري عبدالفتَّاح السِّيسي قال فيه إنَّ التَّهجير ظُلم لا يُمكِن لمصر أن تشاركَ فيه، وقال «لا يُمكِن أبدًا التَّنازل عن ثوابت الموقف المصري التَّاريخي للقضيَّة الفلسطينيَّة»، مؤكِّدًا أنَّ «الحلَّ هو إقامة دَولة فلسطينيَّة بحقوقٍ تاريخيَّة على حدود الرَّابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشَّرقيَّة».
والواقع أنَّ هذا الرَّفضَ القاطع، علاوةً على كونه من صميم الأمن القومي لكُلٍّ من مصر والأردن، فإنَّه أيضًا مدعوم قانونيًّا حيثُ إنَّ القانون الدّولي يُدرج التَّهجير القسري ـ الإخلاء غير قانوني لمجموعةٍ من الأفراد والسكَّان من الأرض الَّتي يقيمون عَلَيْها ـ ضِمْن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعيَّة والجرائم ضدَّ الإنسانيَّة، علاوةً على أنَّ أيَّ تهجيرٍ للفلسطينيِّين يُمثِّل تصفية للقضيَّة الفلسطينيَّة، وهو ما تبدَّى في الرَّفض الفلسطيني منذُ اليوم الأوَّل للعدوان.
أمَّا عن التَّعامل مع هذه الدَّعوات فيكُونُ بإقران هذا التَّمسُّك بالرَّفض ببناء قاعدة رفضٍ دوليَّة كبيرة لهذا المُخطَّط الَّذي يُهدِّد الاستقرار الإقليمي، لا سِيَّما أنَّه ومع تكرار الرَّئيس الأميركي لدعواتِه للتَّهجير فإنَّ هناك موقفًا آخر يتبدَّى في تصريحات المبعوث الأميركي آدم بوهلر والَّذي قال فيه «أعتقدُ أنَّ على مصر والأردن تقديم بديل بعد رفضهما فكرة استقبال الفلسطينيِّين».. ليكُونَ هذا الحلُّ مرتبطًا بإقامة الدَّولة الفلسطينيَّة.
هيثم العايدي
كاتب صحفي مصري