من دواعي الإزعاج بقدر تعلُّق الأمْرِ بالمكتبة، مشاكل بالمكتبة المنزليَّة، هو: (1) عبَث الأطفال بالكتُب وبالمطبوعات وإتلافها، برغم فوائد تعامل هؤلاء الأطفال مع مِثل هذه المواد الثَّقافيَّة، زدْ على ذلك مردودات استعراضهم لعناوين ولكعوب الكتُب المصفوفة على رفوف المكتبة!
أمَّا مصدر الإزعاج الثَّاني فهو شُعور بعض «الضُّيوف الثُّقلاء» بأنَّ الكِتابَ أو المطبوعَ هو مادَّة «مُشاعة» ولا يُعقل أن يبخلَ صاحبُ المكتبة المنزليَّة ببعضها على هذا الضَّيف، وعَلَيْه تراهم يمنَحُون أنْفُسهم الحُريَّة بسَحْبِ أيِّ كِتابٍ أو مطبوعٍ من رفوف المكتبة لقراءته أو لاستعارته إلى داره، تأسيسًا على «الميانة» وصِدق المشاعر الأخويَّة. إذ لا يُعقل أن يمتنعَ مضيفهم من إعارتهم أيَّ كِتابٍ أو مطبوع، بِغَضِّ النَّظر عن قِيمته العلميَّة أو المادِّيَّة.
وبرغم هذه المخاطر الَّتي تُحيق بأواني العلوم والمعارف، فإنَّ وجود مكتبة منزليَّة في دار المرء مُهمٌّ للغاية، خصوصًا تربويًّا وتعليميًّا على نَحْوٍ عامٍّ، ذلك أنَّ اعتياد الأطفال والنَّشء على مشاهدة رفوف الكتُب المزدحمة في دارهم تؤهِّلهم لاحترام الكِتاب والعناية بصيانته في وقتٍ مبكر، ناهيك عن تحريك غريزة «حُب الاطلاع» في دواخل هؤلاء الصِّبية والصبيَّات! أليس في ذلك أهميَّة ومعنى ذو تأثير «عابر للأجيال»؟
زدْ على ما تقدَّم كُلِّه، تربويًّا ومعرفيًّا، يبرز الاهتمام بتجهيز المكتبة المنزليَّة بالمصادر وعيون كتُب التُّراث كواحدٍ من أهمِّ فوائد المكتبة، ذلك أنَّ المرء يشعُر بشيء من الأمان عِندَما يحتاج إلى معلومةٍ معيَّنة وهو قريب من رفوف المكتبة الَّتي تُوحي له براحة نَفْسيَّة كذلك، فهي «أجمل الديكورات»!
ولكن مع ظهور الحواسيب وشبكة المعلومات الدّوليَّة The Internet، لم تَعُدِ المكتبة المنزليَّة بنَفْس الدَّرجة من الأهميَّة، معرفيًّا وعمليًّا، ومع ذلك، فإنَّ أُناسًا من أمثالي (دقَّة قديمة) لا يُمكِن أن يشعروا بالسَّلام الدَّاخلي، خصوصًا بِدُونِ وجودِ القواميس والموسوعات والمراجع المُهمَّة بهدف العودة إِلَيْها، والارتجاع لكنوزها المعرفيَّة عِندَ الحاجة، خصوصًا عِندَما يُثير أحَد المواضيع نقاشًا خلافيًّا مع زائر أو صديق أو حتَّى مع أحَد أعضاء الأُسرة ذاتها، إذ تتبلور الحاجة إلى الرجوع لمِثل هذه الموسوعات والمصادر المعتمدة للتيقُّن من حقيقة مُعيَّنة أو من معلومة بعيدة المنال: فعَلَيْك بالمكتبة داخل دارك، حتَّى وإن لم تكُنْ قارئًا نهمًا؛ لأنَّها لا بُدَّ أن تصبَّ في معارف أبنائك أو أحفادك: لا تبخل بالمال أو الوقت لبناء مكتبة منزليَّة إذا أردتَ أن تكُونَ من أحَد دُور العِلم الَّتي يحتفي بها جيرانُك وأبناءُ بلدك!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي