الأربعاء 05 فبراير 2025 م - 6 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

«عار الجوع.. الغذاء.. والعدالة.. والمال فـي القرن الحادي والعشرين» «1ـ2»

«عار الجوع.. الغذاء.. والعدالة.. والمال فـي القرن الحادي والعشرين» «1ـ2»
السبت - 25 يناير 2025 02:40 م

سعود بن علي الحارثي

20


يُعرَّف الفقر بأنَّه «الحالة أو الوضع الَّذي يحتاج فيه الفرد أو المُجتمع إلى الموارد الماليَّة، والأُسُس الضَّروريَّة للتَّمتُّع بأدْنَى مستوى من الحياة والرَّفاهيَّة الَّذي يُعَدُّ مقبولًا في المُجتمع الَّذي يعيش فيه، أمَّا المعيار الدّولي للفقر المُدقع فهو حصول الفرد على أقلَّ من دولار واحد في اليوم، وهو أيضًا عِندَما يفشل دخل الأُسرة في تلبية الحاجات الأساسيَّة لأفراده، ويُقاس الفقر عادةً بناءً على الأُسرة الَّتي تعيله». وفي مقال سابق بعنوان «دراسة أحوال المواطنِين ومحاربة الفقر أولويَّة في خطط الحكومات»، ربطتُ بَيْنَ ارتفاع نسبة الفقر في أيِّ مُجتمع من المُجتمعات من جهة، وبَيْنَ تفاقم «مُشْكلات خطيرة جدًّا، من أبرزها، أن يتنشأَ أطفال الفقراء في بيئة قاسية ضاغطة لا يتوافر فيها أدْنَى مُقوِّمات الحياة الصحيَّة الكريمة، ولا يستطيع فيها ربُّ الأُسرة توفير متطلَّبات أبنائه الأساسيَّة الَّتي تَضْمن لَهُم الشَّبع، والشُّعور بالرِّضا، والحرمان من الرَّفاهيَّة والإحساس بالاستقرار، واضطرار المعيل إلى الاستعانة بأولاده وإجبارهم على العمل ومساعدته في تحمُّل أعباء الحياة، في أوضاع قاسية، ما يؤثِّر على مستوياتهم التَّعليميَّة والصحيَّة، واستغلال الطَّبقة الفقيرة والتَّمايز فيما بَيْنَها، فتَّتسع الهُوَّة بَيْنَ الفقراء والأغنياء وتهتزُّ دعامات الأمن والاستقرار على المَدَيَيْنِ البعيد والمتوسِّط...». وفي تقرير صادر عن منظَّمة الأُمم المُتَّحدة، عرضته قناة «الجزيرة الإخباريَّة»، بعنوان معبر «رغم إمكاناتها الهائلة.. ارتفاع نسبة الجوعى بَيْنَ العرب (90%) وأرقام غذائيَّة صادمة عن واقع الدوَل العربيَّة»، أشار إلى «أنَّ الجوعَ في العالَم العربي ارتفع بنسبة (90%) في غضون (20) عامًا، كما أنَّ هناك (141) مليونًا يعانون من انعدام الغذاء المعتدل أو الشَّديد ويُمثِّلون تقريبًا ثُلث سكَّان المنطقة العربيَّة. وتحدَّثتِ الأرقام الرَّسميَّة بأنَّ «الدوَل العربيَّة تستورد أكثر من (50%) من احتياجاتها من المواد الغذائيَّة، ويعتمد العديد مِنْها على واردات الحبوب والزّيوت من روسيا وأوكرانيا، الأمْرُ الَّذي يجعل فاتورة الاستيراد باهظة وتقدَّر بعشرات المليارات من الدّولارات، ممَّا يزيد العبء على كاهل الدوَل العربيَّة. وأفصحَ التَّقرير عن حقيقة «أنَّ البُلدان العربيَّة تعيش هذا الواقع الصَّعب رغم أنَّ مساحةَ أراضيها الصَّالحة للزِّراعة تُقدَّر بِنَحْوِ (220) مليون هكتار، يتمُّ استغلال ثُلثها فقط، بحسب فيلم وثائقي بثَّه برنامج «للقصَّة بقيَّة» في الـ(23) من مارس 2023م»، الَّذي سلَّط الضَّوء على قضيَّة الأمن الغذائي العربي، وعرض لعددٍ من النَّماذج العربيَّة، من أبرزها ـ على سبيل المثال ـ السُّودان الَّذي يمتلك مساحة صالحة للزِّراعة تُقدَّر «بِنَحْوِ (84) مليون هكتار يتمُّ استغلال (20%) مِنْها فقط، كما يمتلك السُّودان ثروة مائيَّة لا تتوافر في أيِّ بلد عربي آخر، إذ لدَيْه (10) أنهار تتنوَّع بَيْنَ التَّدفُّق الموسمي والدَّائم، بالإضافة لمعدَّل أمطار سنوي يزيد على (400) مليار متر مكعب». هذا التَّقرير بالطَّبع صدر قَبل كارثة الحرب الأهليَّة الَّتي تشهدها السُّودان وتهجير وفرار وتجويع الملايين من السكَّان بسببها، وسلاح الجوع ـ العار العالَمي الأكبر ـ الَّذي تمارسه «إسرائيل» ضدَّ الفلسطينيِّين وخصوصًا في غزَّة... «عار الجوع». إصدار آخر مُهمٌّ، تُقدِّمه «سلسلة عالَم المعرفة»، من تأليف «ديفيد ريف» وترجمة «أحمد عبد الحميد أحمد»، ذو عنوان مُعبِّر وشيِّق، إذ يربط العار بالجوع، الَّذي يلحق بالحكومات وكبار المسؤولين والأثرياء وأصحاب رؤوس المال والمُتخمِين بالشَّبع. مؤلِّف كِتاب «عار الجوع»، «ديفيد ريف»، يعمل بصفته «خبيرًا بارزًا في مجال المساعدات الإنسانيَّة والتَّنمية»، وبنى محاور ومادَّة كِتابه على وقع سؤال طرحه، ويتداوله الكثيرون دُونَ شكٍّ، «لماذا أخفَق العالَم في إيجاد حلٍّ لأزمة الجوع في القرن الحادي والعشرين؟»، فهل تمكَّن «ريف» من فكِّ شفرة السُّؤال المعضلة، ووضع يَده على هذا الجرح العميق الَّذي تسبَّب في آلام وأحزان مئات الملايين من البَشَر، وحوَّل أجسادهم إلى هياكل عظميَّة مريعة وسلَبَ أرواحَ عددٍ كبير من النَّاس من حَوْلِ العالَم، ممَّا يُعَدُّ بحقٍّ عارًا على الإنسانيَّة وعلى حضارة «القرن الحادي والعشرين»، الَّتي أحدثتْ تحوُّلات عميقة في البنى والهياكل الاجتماعيَّة، كشفتْ عن التَّمييز المَقيت بَيْنَ «أبيض وأسود ـ شمال وجنوب ـ غني وفقير»، والفقراء هُمُ السَّوادُ الأعظم الَّذين لا يجدون قُوتَ يومِهم، فحرموا من المال والمأوى والسَّكن الملائم ومن التَّعليم والصحَّة... الكِتاب يتجاوز الأربعمئة صفحة، وسوف أستعرضُ أبرزَ ما احتواه من محاور وخلاصات تكشفُ عن حقائق «الجوع»، وتشخيص «ديفيد ريف»، لأبرز أسبابه ورؤية مؤلّفه لمعالجة أخطر الأزمات الَّتي تُواجِه الإنسان في عصرنا الرَّاهن... «يتبع».

سعود بن علي الحارثي

[email protected]