الاثنين 13 يناير 2025 م - 13 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

السلطان هيثم .. رؤية لعُمان المستقبل انتقال سلس للسلطة يعكس حكمة الإرث القيادي

السلطان هيثم .. رؤية لعُمان المستقبل انتقال سلس للسلطة يعكس حكمة الإرث القيادي
الأحد - 12 يناير 2025 04:28 م

المنتصر بن زهران الرقيشي

310

الحادي عشر من يناير، يومٌ لن ينساه العُمانيون، وهو بمثابة درس سياسي يُستشهد به في نظريَّات السِّياسة. فلقَدْ شهدتْ سلطنة عُمان بكُلِّ مُكوِّناتها ذلك الانتقال السَّلس والمُتناغم والتَّاريخي لمقاليد الحُكم في البلاد لِيتولَّى جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحُكم خلفًا للسُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ حيثُ جاء هذا الانتقال ليُثبتَ للعالَم مدَى تماسُك الدَّولة ومؤسَّساتها، ومدَى حكمة النَّهج من أجْلِ تعزيز التَّآلف والتَّحالف بَيْنَ مُكوِّنات الشَّعب العُماني بمختلف مواقعهم، وبهدف استمرار دَولة تَقُومُ على أُسُس قويَّة من الاستقرار والتَّآلف والتَّكاتف والتَّناغم المشهود.

بطبيعة الحال، فنحن كعُمانيِّين لم يُدهشْنا أمْرٌ كهذا، ولكنَّه أدهشَ المعنيِّين بأبجديَّات السِّياسة والَّذين وصفُوه بأنَّه نموذجٌ فريد يُحتذى به للتَّوازن بَيْنَ التَّقاليد والحداثة. فهذا التَّخطيط المُسبق لهذا الانتقال لا يعني إلَّا قراءة مستقبليَّة ووعيًا حقيقيًّا بمُكوِّنات الشَّعب العُماني.

استمراريَّةً لهذا الوعي السِّياسي من قِبل السُّلطة في عُمان، كانتْ قرارات جلالة السُّلطان هيثم ـ أعزَّه الله ـ الَّتي ترجمتِ الإيمان المتوارث بَيْنَ سلاطين هذا البلد التَّاريخي وإدراكهم بأهميَّة الإنسان والمواطن، كانتْ أُولى محطَّات الشَّهر الأوَّل من توَلِّيه مقاليد الحُكم هو ترسيخ الإرث الثَّقافي والوحدة الوطنيَّة، وقد تحقَّق ذلك من خلال المعرفة المترسِّخة بالدَّور الأسُري العريق والَّذي يُشكِّل جزءًا أصيلًا من الهُوِيَّة العُمانيَّة، فلقاؤه بمشائخ القبائل في مختلف المحافظات هو تجسيد فعلي لترسيخ السَّمت العُماني والإرث الثَّقافي الَّذي يُعزِّز قِيمتَي الحوار والانتماء. فالمستقرئ للتَّاريخ العُماني والمُستشرِف للمستقبل يُدرك بأنَّها خطوة تهدف إلى تعزيز ثقة المواطن العُماني في قيادته، كما أنَّها أظهرتْ للعالَم الخارجي أنَّ سلطنة عُمان بقيادتها الجديدة تَسير بُخطًى ثابتة نَحْوَ ترسيخ الالتزام بلُحمة النَّسيج في بلدٍ ذي إرث تاريخي عريق لا يُستهان به.

وبِغَضِّ النَّظر عن الدلالات أعلاه، إلَّا أنَّ هناك دلالةً عميقة تؤكِّد مدَى حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظَّم على تعزيز الشفافيَّة وتوضيح الخطوات الَّتي تُهيء الأرضيَّة للمواطن العُماني لِيقفَ حائطَ صدٍّ أمام التَّحدِّيات المقبلة، فلقَدْ أوضح بكُلِّ شفافيَّة بأنَّ السَّلطنة تواجِه تحدِّيات اقتصاديَّة مُقبلة خلَّفتها أزماتٌ عاصفة مِثل انخفاض أسعار النِّفط وما تلاها من أزمة جائحة كورونا، فضلًا عن التزامها بالمشاريع القائمة. وقد أشار بكُلِّ وضوحٍ إلى ضرورة تعزيز التَّعاون الوطني لتجاوزِ مرحلةٍ حرجة تتطلب التَّكاتف، ومؤكِّدًا في ذات الوقت على التزام الحكومة بالإصلاحات المستحقَّة من خلال خططٍ استراتيجيَّة تعمل على تنويع مصادر الدَّخل وتحفيز الاستثمارات. ومن هنا انطلقتْ رؤية «عُمان 2040» والَّتي يُمكِن وصفُها بمثابة «خريطة الطَّريق» لنهضةٍ تنمويَّة شاملة مستدامة شملتِ التَّنويع الاقتصادي، الابتكار، التكنولوجيا والإنسان.

ومن خلاله، وإيمانًا بتعزيز العلاقات الإقليميَّة والدّوليَّة وما يؤولُ إِلَيْها ـ بطبيعة الحال ـ إلى تعزيز العلاقات الاقتصاديَّة، انتهجَ جلالته ـ أيَّده الله ـ مبدأ الجولات الخارجيَّة والانفتاح الاستراتيجي الَّذي يحمل بَيْنَ طيَّاته «الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة»، فلقَدْ قام جلالته بتنفيذِ ما يقارب «20» زيارة خارجيَّة بَيْنَ الدوَل الخليجيَّة والعربيَّة والأوروبيَّة، فاختار جلالته الشَّقيقة الكبرى في المنطقة، المملكة العربيَّة السُّعوديَّة كوجهةٍ أولى لجولاته الخارجيَّة، تلتها زيارة إلى دَولتَي قطر والإمارات العربيَّة، ثمَّ توسَّعتْ لاحقًا لِتشملَ دولًا عربيَّة وأوروبيَّة، وقد شكَّل نهج الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة جزءًا لا يتجزأ من رؤية جلالة السُّلطان هيثم بن طارق لِتَعزيزِ مكانة عُمان الاقتصاديَّة والدّوليَّة، الأمْرُ الَّذي برق وعصف في نشاط إعصار محموم عاشتْه سفارات سلطنة عُمان، ولقَدْ لفَتَ الانتباه دَوْر العديد من السّفراء، وبِدُونِ التَّقليل من جهودهم جميعًا، يستحضرني دَوْر سفير سلطنة عُمان في الرِّياض صاحب السُّمو السَّيد فيصل بن تركي آل سعيد الَّذي أدَّى دَوْرًا بارزًا في تعزيز العلاقات الاقتصاديَّة بَيْنَ البلدَيْنِ، فوفقًا لِمَا أشارَ إليه الإعلام السُّعودي بأنَّ السّفارة العُمانيَّة أصبحتْ نموذجًا يُحتذى به للانخراط في المشروعات الاقتصاديَّة والمشتركة مِثل توقيع مذكّرات التَّفاهم لتعزيزِ الرَّبط الكهربائي، وتوسيع نطاق التَّعاون في مجالات أخرى. وفي مجمل الحال، أسفرتْ هذه النَّتائج عن زيادة ملحوظة ومباشرة للاستثمارات الأجنبيَّة المباشرة في سلطنة عُمان، فضلًا عن المشاريع الأخرى، ولنَا في ميناء الدقم استشهادٌ واضحٌ كمركز استراتيجي للتِّجارة الدّوليَّة ومشاريع أُخرى مِثل مشروعات الهيدروجين الأخضر والصِّناعات الثَّقيلة في مجال المصافي والبتروكيماويَّات، وصولًا إلى خطوة ذكيَّة من خلال «جهاز الاستثمار العُماني» لتحقيقِ أهداف «عُمان 2040» ناهيكم عن المبادرات الرَّقميَّة في مختلف القِطاعات ممَّا يعني تحسين الكفاءة الحكوميَّة وتعزيز الخدمات الرَّقميَّة، وهو يَقُودُنا بشكلٍ تلقائي إلى البيئة المُحفِّزة للاستثمارات التقنيَّة.

هذه الخطوات فتحتْ شهيَّة دوَل عالميَّة للسِّباق نَحْوَ السَّلطنة فبالإضافة إلى الاستقرار الحقيقي الدَّاخلي هناك أيضًا إدارة عازمة على تحقيق ذلك، بَيْنَما داخليًّا أكَّدتْ خطوةُ جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ بالتزام الحكومة العُمانيَّة بتعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدَّخل بما يخدم الاستقرار الدَّاخلي، وبأنَّ السَّلطنة ـ خارجيًّا ـ حلقة وصلٍ بَيْنَ الخليج والعالَم.

لا شكَّ أنَّ هناك تحدِّيات، لكن دعونا نَقُلْها وبصوتٍ عالٍ: لقد نجحتْ سياسات جلالة السُّلطان هيثم ـ حفظه الله ـ في كبح جماح الدَّيْن العامِّ الكبير جدًّا، فلقَدْ وصلَ الدَّيْن العامُّ إلى ما يقرب (20) مليار ريال عُماني، ولكن نجاح جلالة السُّلطان بتكاتف الجميع أوصله إلى قرابة الـ(14) مليار ريال عُماني وفي طريقه إلى التَّلاشي إن شاء الله. ومن نافلة القول إنَّ معالجة هذا الملف يتوجَّب عَلَيْنا جميعًا أن نقومَ بتحمُّل الصُّعوبات في سبيل تقليص هذا الدَّيْن حتَّى يزدهرَ مستقبل البلد ويُعزِّز مستوى المعيشة، عَلَيْنا جميعًا أن نقطفَ الثِّمار ولكن نحتاج للصَّبر وحتَّى تستقرَّ أجواء الإنتاج بالتَّعاضد والتَّكاتف بَيْنَ مُكوِّنات هذا الوطن الأصيل.

سلطنة عُمان تستعدُّ لمستقبلٍ باهر وواعد، فهي الجامعة بَيْنَ التُّراث الثَّقافي والرُّؤية القياديَّة الحديثة، وشَعبها متلاحم مع قيادته لتحقيقِ نهضة اقتصاديَّة واجتماعيَّة شاملة تجعل من عُمان نموذجًا يُحتذى به في الحكمة السياسيَّة والتَّنمية المستدامة.


المنتصر بن زهران الرقيشي

[email protected]