مسقط ـ العُمانية: يرصد الكتاب التوثيقي الضوئي (أيام خلت في عُمان)، لمؤلفه المصور الضوئي البريطاني جوليان لاش الحياة الاجتماعية والثقافية لسلطنة عُمان في الفترة من 1961 وحتى 1963، فهو يقدم رحلة توثيقية نوعية من خلال إصداره لأهم مفردات الحياة في تلك الفترة.
قارئ الكتاب سيجد تلك الحقبة من الزمن، حيث كان العُمانيون يعيشون من خلالها بطرق تقليدية لا تخلو من العراقة الضاربة في العمق التاريخي للإنسان في عُمان من أقصاها لأقصاها.
المصور جوليان لاش، يقدم تجربته الفنية المصورة في هذا الإصدار واصفًا إياها بـ (الفريدة)، وهي تغطي مساحة واسعة من سلطنة عُمان، وتسجل حقبة سابقة لظهور النفط، والتقى الكاتب بعدد من الشيوخ والأعيان والمواطنين، وأظهر علاقته بهم في فترة الاكتشافات النفطية أيضًا في عدد من المناطق بما فيها الظاهرة والوسطى ومسقط والداخلية والشرقية والبريمي وغيرها من المناطق.
وعن تجربته، يقول مؤلف الكتاب: وصلت إلى عبري في يناير 1961، لأجد أن لغتي العربية الفصيحة بالكاد تكون مفهومة في بيئة عملي، حيث القراءة والكتابة لا تكاد تكون معروفة، فانغمست في اللهجة الدارجة وتعلمت التواصل من خلال الاستماع وتكرار ما سمعته، فهي أفضل طريقة للتعلم.
عند الشروع لتصفح محتويات الإصدار الضوئي، يجد المتابع ذلك الترابط بين التاريخ العريق لسلطنة عُمان وتأصل الثقافة بتجلياتها، مرورًا برصد التراث الذي يعكس ماهية الحياة الاجتماعية المؤكدة على روح التسامح والبساطة التي جُبل عليها العُمانيون حيث المكان بتاريخه العريق وتفاصيل الحياة من هوية وعادات وممارسات يومية، توثق العلاقة بين الإنسان وبيئته وما يعزز ذلك من روابط اجتماعية والثقافية بين المجتمع.
ولأن سلطنة عُمان تتمتع بتراث ثقافي متنوع، عزز ذلك موقعها الجغرافي الفريد، يجد الراصد من صور الإصدار الضوئي التنوعَ في المأكل والملبس والتراث المادي وغير المادي للمجتمع العُماني آنذاك مما أثر في تشكيل العديد من الأنماط اليومية لهذا المجتمع منها العادات والتقاليد، والواقع اليومي المعاش في تلك الفترة، بالإضافة إلى الممارسات الفردية والجماعية التي اشتهر بها المجتمع العُماني كالعمل في الزراعة والصناعة التي تمثلت في حرف يدوية كالحدادة والسعفيات والصيد البحري التقليدي وصناعة النسيج، وعمليات البيع والشراء في الأسواق القديمة الكبرى في الولايات العُمانية، والتفاعل في المناسبات وممارسات الفنون العُمانية كالرزحة العُمانية بمختلف أنواعها، وظهور بيان الأزياء التقليدية العُمانية.
لقد ركز مؤلف الإصدار الضوئي (لاش) على الترابط بين العُمانيين في أفراحهم ومناسباتهم المتعددة، من خلال الترحيب بالغريب وكرم الضيافة وهو ما يعكس الأهمية الكبرى لواقع الأسرة في سلطنة عُمان كركيزة أساسية لها خصوصيتها في المجتمع، مرورًا بالتعايش والتآلف الذي عرف به المجتمع وهو يقدم صور القيم السمحة والمبادئ العُمانية الحميدة كونها تؤكد على الاحترام والتعاون، ذلك كله خرج بصور عفوية لمجتمع متماسك، مؤكدًا على جملة من المفردات الاجتماعية التي يقوم بها العُماني في حياته اليومية.
إن التعايش في عمان يعكس مجموعة من القيم والمبادئ التي تؤكد على الاحترام المتبادل، والتعاون، والحفاظ على التراث الثقافي، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ومتفاهم. هذا يظهر بشكل واضح في المفردات والتعبيرات الاجتماعية المستخدمة في الحياة اليومية.
يقدم الإصدار صور التنقل والارتحال بين السهل والوادي والصحراء في سلطنة عُمان، وما كان عليه الواقع الاجتماعي في تلك الفترة، مع عدم إغفال صعوبة ذلك التنقل في ظل ظروف قاسية، حيث ارتفاع درجة الحرارة صيفًا والبرودة شتاء، واستخدام الدواب في التنقل وما يعتري ذلك من مشاق كبيرة وظروف محفوفة بالمخاطر.
عند الحديث عن مدينة مسقط، يقترب الإصدار ليقدم التطور الذي شهدته تلك المدينة في مجالات شتى، خاصة على المستوى الثقافي والتواصل والتفاعل بين الناس وما تشهده بين حين وآخر من مناسبات رسمية بالإضافة إلى رصد يومي لحركة أسواقها وانعكاس ذلك على علاقتها بالمدن العُمانية الأخرى المجاورة لها.