يُقدِّم فيلمُ (mine) الأميركي من إخراجِ فابيو جوجليون وفابيو ريزينار وأكثر من درسٍ للمشاهد، وهو فيلمٌ مُوَجَّه للنَّاسِ الَّذين تنتشرُ الألغامُ في مناطقهم، وما أكثر هذه المناطقِ بفعلِ الحروب الَّتي لم تتوقَّفْ منذُ عقود، وأضيفُ لخطرِ الألغامِ الصَّواريخَ والمتفجِّراتِ غيرَ المنفلغة، وليسَتْ هناك إحصائيَّاتٌ دقيقة لتلك الأخطارِ الرَّاقدة والمُتحفِّزة تحتَ طبقةٍ من التُّراب. لكنَّ الخبراءَ والمُنظَّماتِ الدّوليَّة المعنيَّة بالتخلُّصِ من الألغامِ الأرضيَّة، تُقدِّرها بأكثرَ من مئةٍ وعشرة ملايين لَغَم، توجدُ مِنْها في المنطقةِ العربيَّة بحدودِ أربعين مليونَ لَغَمٍ.
في البدايةِ يُسجِّل هذا الفيلمُ إدانةً ذكيَّة للألغام الأرضيَّة، وواقعًا الإدانةَ للحكومات أوَّلًا، الَّتي تضعُ خططَ تصنيعِ تلك الألغام وبعده تلك الَّتي تدفنُها في الأرض وينجمُ عَنْها ضحايا بمئاتِ الآلافِ من الأبرياء.
يضطرُّ جنديَّانِ أميركيَّان للهروبِ في وسطِ الصحراءِ، حيثُ تنتشرُ الوديانُ والكثبان الرمليَّة بعد فشلِ محاولةِ اغتيالٍ وسطَ الصحراءِ، ويتخلَّصانِ بصعوبةٍ من القوَّة الَّتي تُطاردُهم، وبهذا يتحاشَى الجنديَّانِ سُلوكَ الصحراءِ وعدمَ الاقترابِ من الطَّريق العامِّ؛ خشيةَ التقاطِهم من قِبل تلك القوَّة الَّتي يتضحُ أنَّ لدَيْها خبرةً واسعة في تلك الصحراء.
في تصاعدٍ دراميٍّ يموتُ أحَدُهم بانفجارِ لَغَمٍ أرضي، ويزرعُ المَنْظرُ والمفاجأة الرُّعبَ في داخل زميلِه، يبدأُ يُسيرُ بحذرٍ شديد، فهو لا يعرفُ تحتَ أيَّةِ كومةِ ترابٍ يقبعُ اللَّغَمُ القاتل، لا يستطيعُ فِعلَ أيِّ شيءٍ سوى السَّيرِ ببطءٍ شديد، وعدمِ رفعِ قَدَمِه بسرعة؛ لأنَّ ذلك يعني انفجارَ اللَّغَمِ الَّذي لم يكُنْ يعرفُ أنَّه تحتَ قَدَمِه.
فجأةً يتجمَّدُ الجنديُّ بعد أنْ أدركَ أنَّه قد وضعَ قَدَمَه على العدوِّ القاتل، وهذا اللَّغَمُ مُصمَّم بطريقةٍ إجراميَّة قاتلة، فما أن يُحرِّكَ قَدَمَه عن اللَّغَمِ حتَّى ينفجرَ، وعِند ذاك يكُونُ أفضلُ حالاتِه بَتْرَ القَدَمِ أو معَها السَّاق، وقد يتسبَّبُ بتمزيقِ جسدِه تمامًا.
يحفرُ بهدوءٍ لِيتأكَّدَ أنَّ الجسدَ الصَّغير القابعَ تحتَ قَدَمِه لَغَمٌ أرضي مؤكَّد، وهو وسط الصحراء، لدَيْه بعض الماء، وتمتدُّ أمامه الكثبان الرمليَّة وتضربُه حبَّاتُ الرَّملِ الَّتي تَذروها رياحُ الصحراءِ الحادَّة.
يظهرُ له رجُلٌ يعيشُ في الصحراءِ ويُزوِّدُه ببعضِ احتياجاتِه ويتبَيَّنُ أنَّه قَدْ بُتِرَتْ إحدى ساقَيْه بانفجارِ لَغَمٍ في هذه الصحراء.
المُهمُّ في هذه الرِّسالةِ أنَّ الشخصَ الَّذي يدركُ في لحظةٍ ما أنَّه يقفُ على لَغَمٍ قاتِل، عَلَيْه أن لا يستعجلَ وأن يتحلَّى بالصَّبر، وهذا ما كان عَلَيْه هذا الجندي، فقد بَقِيَ واقفًا ومتماسكًا، وهذه وحْدَها في غايةِ الصعوبة إن لم تكُنْ مستحيلةً، بَقِيَ ما يقربُ من خمسين ساعةً على هذا الحال.
وبعدَ محاولةِ التَّحايلِ على اللَّغَمِ، حيثُ يتمُّ وضْعُ ثقلٍ فَوْقَه وهذا يتمُّ بصعوبةٍ بالغةٍ ومخاطرةٍ كبيرة، ينجحُ في ذلك وبعدَ فتْحِ اللَّغَم، يتفاجأُ أنَّ ما موجودٌ بداخلِه ليس البارود المُتفجِّر وإنَّما لُعبةُ أطفال. قالَ الفيلمُ حقائقَ مؤلمةً عن الألغامِ المزروعة في الكثيرِ من الدّوَل، وأعطَى درسًا بضرورةِ الصَّبرِ لِتجاوزِ مِحنَةِ القتلِ أو الإعاقة.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي