أيها الأحباب: ولا يزال حديثنا موصولًا حول توجيهات الإسلام فيما يلتزم به من أعطى من نفسه عهدًا أو أخذ عليه موثقًا أن يفي به، وعلى سبيل المثال فقد (وجّه الإسلام العاملين إلى القيام بالأعمال المناطة بهم على أتم وجه وأكمله، وإتقان العمل في الإسلام يسمى الإحسان، وقد كتب الله الإحسان على كل شيء، ففي الحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته»، ولا فرق في هذا بين إحسان العبادة، وإحسان العمل الدنيوي، فإذا أتقن الأجر أو الموظف العمل الموكول إليه، أحسن فيه فقد قضى ما عليه، ويبقى حقَّه على صاحب العمل، وحقَّه على صاحب العمل أن لا يكلفه فوق طاقته، وأن يؤدي إليه أجره كاملًا غير منقوص، وقد نهانا الله عن أن نبخس الناس أشياءهم كما أمرنا بالوفاء بالعقود، وفي الحديث الذي يرويه البخاري: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى ولم يوفه أجره») (من كتاب «نحو ثقافة إسلامية أصيلة، ص: 306»). هذا بالنسبة للمعاملة بين أصحاب عقود العمل من صاحب له وأجير عنده، بل ولقد راعي الإسلام الوفاء اعهد مع غير المسلمين (فمن الأخلاق التي أمر الله بها، أمر الله بالوفاء بالعهود والمواثيق والعقود، وذلك من صميم المعاملة التي يجب أن تكون بين المسلمين، بل حتى ولو كانت مع الكافرين، من أمان ووفاء وذمة، والأصل في ألفاظ «الأمان والعهد والذمة» أنها ألفاظ عامة، تشمل أنواع المستأمنين والمعاهدين وغيرهم ممن هم في بلاد الإسلام فذمَّة المسلمين وعهودهم وأمانهم ثابتة لكل هذه الأصناف، والأصل في معاملتهم جميعًا، فالمسؤولية عنوان التكريم الإنساني، لأن إهمال الإنسان وتعطيل قواه أمارة على الإهمال والتخلي والنبذ، والتقصير في القيام بالمسؤولية دليل على عدم المبالاة، وتحدي نظام المجتمع، والتجرد من الإنسانية، وعماد المسؤوليات الدنيوية هو النظام المدني بتنظيم العقود والتصرفات والأنشطة الاقتصادية من إنتاج واستثمار وادخار وتوزيع، وتوجيه كل الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمات نحو ما يحقق المصلحة العامة أو العليا للأمة، وأساس المعاملات في الإسلام: هو الحرية الاقتصادية المنظمة، والعدالة والمساواة وأداء الحقوق وتنفيذ الالتزامات، والابتعاد عن إلحاق الجور والظلم والمساس بحقوق الآخرين أو أكل أموال الناس بالباطل، والأصل في العقود كالبيع والإيجار وكذا الشروط هو الإباحة، إلا ما صادم مقتضى العقد أو النص الشرعي، أو القواعد العامة كالربا والغرر والقمار والغش) (من كتاب «الوسطية في ضوء القرآن الكريم، ص: 287»).
ولهذا فالعهود التي يرتبط بها المواطن المسلم درجات.. أسماها وأعلاها وأقدسها هو العهد الأعظم بين العبد وربه، والوفاء بهذا العهد هو أساس سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ومن أهم العقود واجبة الوفاء العقد الذي بين المواطن الذي بايعه على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، (فالمسلم مطالب بالالتزام بهذا العقد وعدم الخروج عليه لأن الخروج عنه تمزيق لوحدة الأمة وضياع لمصالحها وتعطيل لمقاصدها) (من كتاب «متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار، ص: 128»)، وأكتفي بهذا القدر، وأسأل الله أن يجعلنا من الموفّين بعقودهم.
محمود عدلي الشريف