ما رأيتُ في هذا الكِتاب أنَّه ينقسمُ إلى (4) فصولٍ قامتْ (فرح) بتقسيمِها.. وقد غطَّتْ هذه الفصولُ ثلاثَ مراحلَ من حياتِها: طفولتها، وزواجها من الشَّاه، وإنجازاتها، خصوصًا على الصَّعيد الثَّقافي، ورحلاتها. والقِسمُ الأخير يتناولُ بدايةَ الاضطرابات ثمَّ المنفَى والرَّحيل.. طبعًا تَرْوي لنَا فرح بهلوي فصولًا غنيَّةً بالأحداث قد عاشَتْها بالقُرب من زوجِها الرَّاحل شاه إيران. سأُلخِّصُها لَكُمْ:
1- الكِتاب مُحكم بإتقانٍ قامتْ فرح بهلوي بتوصيلِ أفكاره والرَّسائل الَّتي أرادتْ توصيلَها، كان أكثر من جيِّد.. جاء مزيجًا وقريبًا إلى الكمال بَيْنَ تاريخ فرح كاِمرأة، وبَيْنَ تاريخ إيران من عصر رضا بهلوي والد الشَّاه وحتَّى قيام الثَّورةِ الإسلاميَّةِ بقيادةِ آية الله الخميني .
2- في كِتابِها، حقيقةً أنا وقَعْتُ في غرام شخصيَّتِها.. كانتْ طفلةً جميلةً مدلَّلة.. من أُسرةٍ ذاتِ حسَبٍ ونَسَب. كبرتْ لِتصبحَ مراهقةً متألِّقة ومتواضعة.. في الوقت نَفْسِه كانتْ ذاتَ شخصيَّةٍ بريئة تَسيرُ في الحياة بفطرةٍ سليمة وقدرٍ كبيرٍ من الذَّكاء.. كبرتِ المراهقةُ الَّتي تنبَّأ تاريخُها الصَّغير بمستقبلٍ باهرٍ وزوجةٍ مثاليَّة.. طموحُها وحلمُها دراسةُ الهندسةِ المعماريَّة.. والدها (ديبا) تنبَّأ أنَّ ابنتَه فرح خُلِقتْ لِيُقبِّلَ النَّاسُ يدَيْها يومًا ما بأقوَى رجُلٍ في بلدِها وهو شاه إيران.
3- الكِتاب ـ كما أسلَفْنا ـ هو مزيجٌ بَيْنَ تاريخ فرح وأُسرتَيْها منذُ طفولتها وحتَّى مرحلة الشَّيخوخة، وبَيْنَ تاريخٍ لإيران.. يتناولُ الكِتابُ سِيرةَ فرح مع استفاضةٍ في مرحلةِ حياتِها كمَلِكة، وإنجازاتِها بالطَّبع إنجازات زوجِها الشَّاه، وكذلك مرحلة المَنفَى. الكِتاب تضمَّنَ مجموعةً كبيرة من الأسرارِ الشَّخصيَّة والسِّياسيَّة.. بعضها وجدت خطيرًا للغايةِ بالإضافة إلى ذكريات فرح مع كثيرٍ من بُلدانِ العالَم، وآرائها في بعض الأنظمة الشيوعيَّة في ذلك الوقت. وكذلك آراؤها عن بعض الرُّؤساء والمُلوك. أمَّا بالنِّسبةِ لتاريخِ إيران فانحصرَ في فترتَي حُكم رضا بهلوي الَّذي تُكنُّ (فرح) لَه ولإنجازاته تقديرًا كبيرًا ثمَّ زوجها محمد رضا بهلوي .
4- في رأيي الخاصِّ، وجدتُ في هذا الكِتاب أنَّ الجزئيَّةَ الأهمَّ الَّتي تحدَّثَ عَنْها الكِتابُ هي أسبابُ انقلابِ وثَورةِ الإيرانيِّين على حُكم الشَّاه، الأمْرُ الَّذي أدَّى في النِّهايةِ إلى الوضعِ الحالي، والأسبابُ جاءتْ كالآتي: بدأتِ الضَّغائنُ في نفوسِ البعضِ منذُ عَهْدِ رضا بهلوي الكبير عِندما أمَرَ بخلْعِ الحجاب في مُجتمع مُتديِّن، ثمَّ الأفكار الليبراليَّة المُنفتحة بشكلٍ مُبالَغ فيه لفرح بهلوي وشاه إيران.. ولا ننسَى الانفتاح الثَّقافي على الغرب الَّذي رآه البعضُ نَوْعًا من التَّخريب للعاداتِ والقِيَمِ الإيرانيَّة.. أيضًا قانون الإصلاح الزِّراعي الَّذي سحَبَ بساطَ الكثيرِ من الأراضي من تحتِ أقدامِ رجال الدِّين.. أيضًا حقوق المرأة بما فيها التَّصويت في الانتخابات والَّتي أثارتْ سخطَ رِجال الدِّين (السافاك) أو أمْنِ الدَّولة وانتهاكاتهم الَّتي أساءتْ إلى النِّظام . 5- عيوب هذا الكِتاب.. لم يُعجبْني صراحةً الجزءُ الأخيرُ من الكِتاب الَّذي بدأَ ـ للأسفِ ـ كبُكاءٍ على الأطلال، بالإضافة إلى ذِكْرِ محاولاتٍ مُستميتة لِتَنظيمِ شبكاتِ مقاوَمةِ العودةِ إلى الحُكم، ودعواتٍ صريحةٍ للإيرانيِّين للتَّفكير في نجلِها رضا الابن كحاكمٍ في سقوطِ الدَّولة الخمينيَّة.. وجدتُ ذلك لا يتوافَقُ بأيِّ شكلٍ وذكاء فرح بهلوي.. كيف اعتقدتْ امرأةٌ بذكاءِ (فرح) أنَّ الشَّعبَ الإيراني إذا خرجَ من عهْدِ الثَّورة سيرتمي في أحضانِ الحُكم الملكي مرَّةً أخرى؟ في النِّهاية لهذه النبذةِ التَّعريفيَّة للكِتاب، لا يسَعُني إلَّا أنْ أعَدَّ هذا الكِتاب من أقِيَم ما قرأتُ والأكثرَ إفادةً لي ولَكُم وللجميع.
محمد الكندي
كاتب عماني