عِندما تتحدَّثُ مُنظَّمة الأُمم المُتَّحدة، وهي المُنظَّمة الأعلى والأكبر في المنظومة الدّوليَّة، عن أنَّ قرابة (70%) من ضحايا العدوان الإرهابي الصهيوني المُتواصِل على المَدَنيِّين العُزَّل من الأطفالِ والنِّساء في قِطاع غزَّة، وتؤكِّد في تقريرٍ لهَا أنَّ ذلك يُمثِّل انتهاكًا ممنهجًا للمبادئِ الأساسيَّة للقانون الدّولي الإنساني، بما فيها التَّمييز والتَّناسُب، فلماذا إذًا هذا التَّقاعس عن الحساب والمُساءلة؟ ناهيك عن مجرَّد وقفِ هذا العدوان الإرهابي القائم وحرب الإبادة الجارية! فالتَّقرير الأُممي المُوَثَّق الَّذي يُفصِّل بشكلٍ مُعمَّق عمليَّاتِ قتْلِ المَدَنيِّين وانتهاكَ القانون الدّولي، الَّتي ترقَى إلى جرائم حرب، أكبر إدانةٍ على التَّقاعس الدّولي في حماية أبناء فلسطين، خصوصًا مع تأكيد هذا التَّقرير على قرارِ محكمةِ العدلِ الدّوليَّة، الَّتي أكَّدتْ في سلسلةِ أوامرَ بشأنِ تدابيرَ مؤقَّتة، على الالتزامات الدّوليَّة الَّتي تقعُ على عاتقِ دَولةِ الاحتلال بمنعِ أعمال الإبادة الجماعيَّة والممارسات المحظورة المُصاحِبة لهَا والحماية مِنْها ومعاقبة مرتكبيها.
إنَّ هذا التَّقرير وغيره من التَّقارير تُدينُ المُنظَّمات الدّوليَّة ومنظومة المُجتمع الدّولي، قَبل أنْ تُدينَ الكيان الصهيوني الإرهابي. فالمُنظَّمات الدّوليَّة، وعلى رأسِها مُنظَّمة الأُمم المُتَّحدة بمجلس الأمن التَّابع لها، فشلتْ حتَّى الآن في إجبار دَولة الاحتلال على الامتثالِ الكامل والفَوري لتلك الالتزامات، خصوصًا في ظلِّ عمليَّات الإرهاب الصهيونيّ في شمال غزَّة وتشريعاتها الَّتي تؤثِّر على أنشطة وكالة الأونروا، فبدلًا من وجودِ مُحاسبةٍ مستحقَّة بعد إقرار المُنظَّمة بالأدلَّة المُوَثَّقة الجرائمَ والانتهاكاتِ الخطيرةَ للقانونِ الدّولي عَبْرَ جهاتٍ قضائيَّة ذات مصداقيَّة وحياديَّة، نجدُها تصدرُ مجرَّد تقرير دُونَ تحرُّكٍ فعلي لِمَنعِ الجرائم الوحشيَّة، ودعمِ عملِ آليَّات المُساءلة، بما فيها المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، فضلًا عن مُمارسة الولاية القضائيَّة العالَميَّة للتَّحقيقِ ومحاكمةِ مُرتكبي الجرائم في المحاكم الوطنيَّة بموجبِ القانون الدّولي وتماشيًا مع المعايير الدّوليَّة.
ولعلَّ المُفجعَ في الأمْرِ، هو أنْ تأتيَ تلك التَّقارير وسط تصريحاتٍ متكرِّرة صادرة عن مسؤولين صهاينة تربط إنهاء الصِّراع بتدميرِ غزَّة بالكاملِ وتهجيرِ الشَّعبِ الفلسطيني، وأُخرى تُبرِّر التَّمييز والأعمال العدوانيَّة والعُنف تجاه الفلسطينيِّين، بل وحتَّى إبادتهم. ولا تزال المُنظَّمة الأُمميَّة الأكبر تكتفي برصدِ تلك الجرائم دُونَ اتِّخاذ خطواتٍ حتَّى لوقفِ هذا العدوان الإرهابي وحرب الإبادة الجماعيَّة، الَّتي أدَّت ـ بحسب التَّقرير الأُممي ـ إلى مستوياتٍ غيرِ مسبوقةٍ من القتلِ والمَوْتِ والإصابات والجوع والمَرَض والأوبئة، والتَّأكيد على أنَّ المَدَنيِّين الفلسطينيِّين في قِطاع غزَّة يموتونَ جوعًا أمامَ أعْيُنِ العالَم، والظُّروف المعيشيَّة مُمِيتة. وعَلَيْه، فإنَّ تلك التَّقارير تفرضُ على الأُمم المُتَّحدة القيامَ بِدَوْرٍ أكثر فعاليَّة لوقفِ جرائم الاحتلال في قِطاع غزَّة، خصوصًا في ظلِّ اتِّساع موجة المجاعة، وجريمة العقاب الجماعي لمليونَي فلسطيني، عَبْرَ منْعِ دخولِ قوافلِ المساعداتِ والأدوية، والنَّقصِ الحادِّ في كُلِّ مُقوِّماتِ الحياةِ الأساسيَّة. إنَّ الأمْرَ يحتاجُ لضغوطٍ دوليَّة وخطواتٍ حقيقيَّةٍ لمُحاسبةِ دَولة الاحتلال الصهيوني على جرائمها، وعدم استمرار العجز الدّولي عن وقفِ آلةِ الحربِ الصهيونيَّة، فالتَّصريحاتُ والإدانات ليسَتْ كافيةً لِمُواجهةِ الإبادةِ الجماعيَّة، وجرائم التَّطهير العِرقي في قِطاع غزَّة. فالوضْعُ الكارثي يزدادُ خطورةً مع كُلِّ دقيقةٍ؛ جرَّاءَ مواصلةِ العدوان على كُلِّ مظاهر الحياة فيه، في انتهاكٍ لكُلِّ قواعدِ القانون الدّولي وقراراتِ مجلس الأمن، بما في ذلك القرار (2735)، وهُنَا لا بُدَّ من التَّأكيد على ضرورةِ قيامِ مجلس الأمن بالتَّحرُّك الفَوري والسَّريع بموجبِ الفصْلِ السَّابع للمطالبةِ بالوقفِ الفَوري لإطلاقِ النَّار وضمانِ امتثالِ جميع الأطراف له، ووقفِ التَّهجير القَسريِ والتَّطهير العِرقي للشَّعب الفلسطيني، إلى جانبِ ضمانِه للحمايةِ وتقديمِ المساعدةِ الإنسانيَّة الفَوريَّة دُونَ عوائقَ وعلى نطاقٍ واسع، من خلال الأونروا وجميع وكالات الأُمم المُتَّحدة الأُخرى، وإلَّا فلا ضرورةَ من هذه المُنظَّمات الدّوليَّة العاجزة.