الجمعة 03 يناير 2025 م - 3 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : التخفيضات الوهمية فـي المولات والمراكز التجارية .. استفزاز المستهلك وغياب الرقابة

في العمق : التخفيضات الوهمية فـي المولات والمراكز التجارية .. استفزاز المستهلك وغياب الرقابة
السبت - 02 نوفمبر 2024 04:26 م

د.رجب بن علي العويسي

170

يطرح موضوع التَّخفيضات في المولات والمراكز التجاريَّة الكثير من التَّساؤلات وعلامات الاستفهام حَوْلَ واقعيَّة ومصداقيَّة وجديَّة هذه التَّخفيضات، ومستوى ثقة المستهلك فيها ومردودها الإيجابي على ثقافته الاستهلاكيَّة، وأنَّها تُمثِّل فرصة حقيقيَّة للمستهلك بالحصول على منتَج عالي الجودة بأسعار تنافسيَّة، والبائع أو المنشأة التجاريَّة بأنَّها استطاعت أن تلفتَ أنظار المستهلك إِلَيْها وترفع من سقفِ مبيعاتها في ظلِّ حالة الرُّكود الَّتي واجهتها، وبالتَّالي ليسَتْ تلاعبًا بالأسعار أو استفزازًا للمستهلكين، يراد مِنْها توجيه المستهلك إلى هذه المولات والمراكز التجاريَّة.

وعلى الرَّغم من الإجراء الَّذي اتَّخذته وزارة التِّجارة والصِّناعة وترويج الاستثمار وبالتَّنسيق مع هيئة حمايَّة المستهلك في شهر يوليو 2024 بالسَّماح لجميع المنشآت التجاريَّة بعمل التَّخفيضات والعروض التَّرويجيَّة لكافَّة المنتَجات دُونَ الحاجة للحصول على تصريح مِنْها، بحيث يراد مِنْه تحفيز النَّشاط التِّجاري والاقتصادي في أسواق سلطنة عُمان وتعزيز التنافسيَّة وتوفير المنتَجات الأساسيَّة للمستهلك بأسعارٍ مناسبة، واشترطتْ في ذلك ألَّا تتجاوزَ مدَّة التَّخفيضات والعروض الترويجيَّة عن (3) أيَّام متتاليَّة في الأسبوع؛ وألَّا تتجاوز (3) مرَّات خلال الشَّهر الواحد، كما لا تزيد نسبة التَّخفيض عن (30%)؛ إلَّا أنَّ الممارسة الترويجيَّة وواقع هذه التَّخفيضات يُشير إلى جملة من الثَّغرات الَّتي يَجِبُ الوقوف عِندها والتيقُّن من كفاءة الإجراءات المُتَّبعة فيها، بحيث ترفع من سقفِ الرَّقابة والمتابعة والضبطيَّة القانونيَّة في معالجة أيِّ تجاوزات من شأنها تؤثِّر سلبًا على ثقة المستهلك، وأن يتمَّ التَّعامل مع شكاوى المستهلكين باحترافيَّة وبصورة فوريَّة، وبالتَّالي أن لا يُفهمَ من هذا الإجراء تنازلًا عن المسؤوليَّة أو فتح الباب على مصراعَيْه وإتاحته بِدُونِ رقابة أو معايير أخرى ترتبط بجودة المنتج وكفاءته والتزامه بالمواصفات القياسيَّة المعمول بها في سلطنة عُمان، وأن يحدَّ هذا الإجراء من الصورة النمطيَّة العشوائيَّة الَّتي باتَتْ ترتبط بهذه التَّخفيضات، ومدَى مصداقيَّة نسبة التَّخفيض الَّتي تصل إلى (70%) فأكثر.

هذا الأمْرُ يطرح علامات تعجُّب، في تركيبة هذا الموضوع سواء من حيث جودة السِّلعة أو المنتَج الَّذي تصل فيه نسبة التَّخفيض إلى هذا المستوى، والَّذي يطرح لدَى المستهلك شكوكًا كثيرة، وأوَّلها فقدان ثقة المستهلك في التَّخفيضات المبالغ فيها، ذلك أنَّ الهدف من هذه التَّخفيضات يفترض تحقيق السيولة الماليَّة والحصول على عائدٍ مناسِب في معالجة فترة الركود، بالشَّكل الَّذي يُتيح لهذه المولات والمراكز التجاريَّة العامَّة والمراكز التجاريَّة المُتخصِّصة الاستمرار في ممارسة نشاطها التِّجاري وتنشيط الحركة الشرائيَّة فيها بالَّشكل بما يضْمَن قدرتها على الوفاء بالمستحقات المرتبطة بالإيجارات ورواتب الموظفين، أو الحصول على البضاعة والسِّلع الجديدة أو موديلات المطروحة حديثًا في السُّوق، وفي المقابل رغم أنَّ المستهلك يسعى إلى البحث عن التَّخفيضات وخفض السِّعر ويقطع من أجْلِ هذه العروض مئات الكيلومترات إلَّا أنَّه يُدرك يقينًا أنَّ التَّخفيضات الَّتي تتجاوز المقبول والمعقول ولا تتناغم القِيمة المقدَّرة للمنتَج بعد التَّخفيض مع قِيمته الحقيقة في السُّوق تُثير حفيظته وشكوكه فإمَّا أن تكُونَ غير أصليَّة ومقلَّدة وهي بضاعة السُّوق السَّوداء، أو أنَّها منتهية الصلاحيَّة وأُعيدَ تحديث مدَّة صلاحيَّتها، أو أنَّها مكدَّسة في المخازن، بَيْنَما بضاعة جديدة أخرى قادمة فيصبح التخلُّص مِنْها عَبْرَ هذه العروض الترويجيَّة أفضل الخيارات.

وتعدُّد أشكال عدم المصداقيَّة في هذه التَّخفيضات، فقد تكُونُ هذه التَّخفيضات لعددٍ محدود جدًّا من السِّلع والمنتجات أو الخدمات، ولأنَّها قد دخلَتها العلامات الَّتي أشَرنا إلى بعضها أو أنَّ وجودها يحتاج إلى الحيِّز المكاني والأرفف الَّتي تستهلكها في هذه المولات والمراكز التجاريَّة، وتُصبح التَّكلفة الماديَّة والظرفيَّة من بقائها فيها، أكثر من العوائد المنتظرة مِنْها؛ أو توقع هذه المنشآت التجاريَّة بأنَّ السِّلع والمنتجات الحاليَّة لن يكُونَ لها قَبول في قادم الوقت نظرًا لِتَصفيةِ الشَّركة المنتِجة أو لدخولِ علامات (ماركات) أو طرازات (موديلات) جديدة في السُّوق، يحتاج أن يمنحَها قوَّة شرائيَّة أكبر ـ الوكيل الحصري ـ. وكمِثالٍ على ذلك الأجهزة الإلكترونيَّة والكهربائيَّة والهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب (الكمبيوتر) وغيرها ممَّا يظهر فيها سرعة التَّغيير والتَّحديث عَبْرَ دخول علامات وطرازات جديدة وحديثة؛ أو أن يجدَ في التَّرويج لهذه التَّخفيضات خصوصًا في ظلِّ ما يظهر من نشاط المؤثِّرين في المنصَّات الاجتماعيَّة في التَّسويق والتَّرويج لهذه المولات والمراكز، فرصة في البحث عن إغراءات ترويجيَّة للمستهلك، ودعوةً له نَحْوَ زيارة زيارتها من خلال هذه العروض الترويجيَّة. فرغم أنَّ العدد المشمول بالتَّخفيضات يُعَدُّ بأصابع اليد من بَيْنِ مئات الآلاف من السِّلع الموجودة، أو أن يعلنَ أحَد المحالِّ المتخصِّصة ببيع السَّاعات أو أجهزة الهواتف المحمولة أو أجهزة التَّبريد والتَّكييف أو أجهزة المطابخ أو محالِّ الأثاث أو غيرها في أحد هذه المولات والمراكز التجاريَّة الكبرى، فهو محلٌّ واحد من بَيْنَ (100) محلٍّ أو يزيد، لِتكُونَ زيارة المستهلك وعائلته فاتحة لزيارة محالَّ أخرى، أو شراء سلع ومنتَجات أخرى، فيخرج من هذه الزِّيارة بعربة ممتلئة بالسِّلع والمنتَجات الَّتي لم يكُنْ يحسبُ لها حسابًا في خطَّته الشرائيَّة، وهُنَا حقَّقت هذه المنشآت التجاريَّة هدفها من هذه التَّخفيضات بتوجيه الأنظار إِلَيْها دُونَ أيِّ تخفيض في السِّلع أو المنتَجات.

من هُنَا يأتي التَّأكيد على أهميَّة أن تخطوَ جهود الجهات الحكوميَّة المعنيَّة نَحْوَ تَبنِّي سياسات رقابيَّة أكثر جديَّة في تتبُّع هذا الأمْرِ، سواء كان في الالتزام بالاشتراطات والإجراءات الَّتي تمَّ اتِّخاذها والعمل بها، ومدى حضور مسألة الجودة في المنتَج مواصفاته، بالإضافة إلى مصداقيَّة هذا السِّعر ومدَى تناسُبه معه، بالإضافة إلى تَبنِّي سياسات تسويقيَّة أكثر قدرة على كشفِ التَّلاعب بالأسعار أو محاولة التَّستُّر على القِيمة الحقيقة، من خلال برامج إلكترونيَّة متخصِّصة تكُونُ بمثابة عين الرَّقابة لهذه المؤسِّسات في تحليل الوضع الرَّاهن للممارسات التَّخفيضيَّة في السِّلع والمنتَجات والبضاعة الَّتي ستقوم هذه المنشآت التجاريَّة بإجراء التَّخفيضات عَلَيْها، بحيث تمتلك معرفة دقيقة بسعرِ هذه السِّلع أو المنتَجات قَبل التَّخفيض، وأنَّ هذا السِّعرَ بعد التَّخفيض حقيقي وليس وهميًّا أو مجرَّد سقفٍ وضعَتْه المنشأة خصوصًا الَّتي يتوافر لها فروع في مختلف المحافظات فتمارس دَوْر الاحتكار في تحديد سعر هذه السِّلعة أو غيرها بعد التَّخفيض؛ وهو دَوْر لا يبدأ من بدء التَّخفيضات بل قَبل ذلك بكثير، فمسؤوليَّة تحديد نوعيَّة السِّلع والبضائع والمنتَجات الَّتي يتمُّ التَّخفيض عَلَيْها بحيث تتناغم مع احتياجات المواطن والمستهلك وتتعايش مع ظروفه وتتفاعل مع متطلباته، وتعكس صورة أخرى في الاهتمام بالمستهلك وإدارة مشاعره، وأن التَّخفيض يتَّجه إلى الضرورات الَّتي تشهد ارتفاع أسعارها في الأوقات الأخرى، وأن تشملَ التَّخفيضات نسبةً لا تقلُّ عن (30%) من عدد السِّلع الموجودة بالمنشأة، ناهيك عن أنَّ اختيار التَّوقيت المناسب وبشكلٍ خاصٍّ المناسبات الدِّينيَّة والوطنيَّة ينبغي أن يتبعَه التزام هذه المراكز بأنَّ ما طرحتْه للتَّخفيض يُلبِّي احتياجات المستهلك المواطن في هذه الفترة ويتناغم معه.

أخيرًا، نتساءل: أين موقع المنتَج الوطني من هذا المسار؟ فمن الملاحظ أنَّ التَّخفيضات غالبًا ما تكُونُ في السِّلع والمنتَجات الَّتي لها نظيرها في المنتَج العُماني، وأنَّها تأتي تزامنًا مع طرح منتَج عُماني جديد في السُّوق، وكأنَّ المراد من عمليَّات التَّخفيض الَّتي تتبناها بعض المنشآت التجاريَّة ذات الهيمنة السُّوقيَّة هو التَّأثير على المنتَج المحلِّي وتغييبه عن المشهد وتشتيت الأنظار عَنْه، ثمَّ ماذا تتوقع الجهات المعنيَّة من المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة الَّتي يديرها الشَّباب العُماني أن تقدِّمَ من تخفيضات عِندما يتجاوز سقف التَّخفيض (30%) في المنتَجات الاستهلاكيَّة، أو التخصصيَّة كمنتَجات العطور الَّتي يصعب تطبيق هذا النَّوع من التَّخفيض ـ إن صدق ـ عَلَيْها، إذ إنَّ هذا التَّخفيض يعني، احتمالات بيعها بأقلَّ من تكلفتها الحقيقيَّة، الأمْرُ الَّذي يؤدِّي للخسارة، ووقوعها في دائرة الإفلاس، في ظلِّ التزاماتها الأخرى، بل يصعب تصديقه وقَبوله حتَّى في الظُّروف الَّتي تتَّجه إلى بيع الشَّركات أو المحالِّ المرتبطة بحُكم قضائي أو حتَّى في حالة تصفيَّة المنشأة أو المحلّ. فهل سيتمُّ تقييم ومراجعة سياسات التَّخفيضات ويُنظر لقدرات المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة، بِعَيْنِ الاحتواء حمايةً لها من الإفلاس وتشريع «التَّخفيض الوهمي» المنظَّم؟

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]