بعد اغتيال قائد حزب الله اللبناني وعدد كبير من قادته ومفاصله، هل يعني أنَّ حزب الله أُخرِج من المعادلة اللبنانيَّة والمعادلة المتعلِّقة بالصِّراع مع الاحتلال «الإسرائيلي»، وهزم هزيمة لا مجال لتجاوزِها؟ أم أنَّ الضَّربة الَّتي لم تقتلْه تقوِّيه؟ أم أنَّ هذا أو ذاك يعتمد على قدرة الحزب على التَّماسُك من جديد واستعادة زمام المبادرة؟ أسئلة مطروحة بحاجةٍ لإجاباتٍ من المتابعين للشَّأن إيَّاه الفلسطيني واللبناني و»الإسرائيلي» وللحربِ المستمرَّة حتَّى الآن...؟
نَعم، إنَّ اغتيالَ حسن نصر الله، يتوقع أن يتركَ مساحةً من الفراغ الَّتي تمتَّع بها السَّيد حسن نصر الله وشخصيَّته الكاريزميَّة ودَوْره وسط مؤيِّديه وأنصاره وحواضنه الشَّعبيَّة في لبنان، وحتَّى خارج لبنان، وفي علاقاته مع أطرافٍ مختلفة في الإقليم. فالأمور لن تؤدِّيَ كما تَشي الوقائع إلى تفكُّك أو ضَعف وتراجُع حضور الحزب؛ لأنَّه سبَقَ وتجاوز الحزب اغتيال أمينه العامِّ السَّابق عباس الموسوي عام 1992. عملَ الحزب في لبنان في الأيَّام الأخيرة وكأنَّ غياب واستشهاد القيادات لن يؤثِّرَ على مسار الحزب، فكانتْ فعاليَّاته العسكريَّة وما زالتْ على وتيرتها، واستطاعَ ـ كما تقولُ الوقائع الصَّعبة ـ امتصاص الضَّربات الَّتي نالَتْه باغتيالِ أمينِه العامِّ وعددٍ كبير من قياداته، والعمل على استعادة زمام المبادرة، وقطع الطَّريق على الفِتن الدَّاخليَّة الَّتي تُنصب له، من خلال الدِّعايات الَّتي بدأتْ تتحدَّث عن اختراقات واسعة بَشَريَّة في صفوف الحزب...إلخ. وزرع عدم الثِّقة والهزيمة بصفوفه. لكنَّنا، نتحدَّث هُنَا بموضوعيَّة، نقول إنَّ حزب الله حزبٌ قوي ومؤسَّسي وعقائدي، ومن الصَّعب، بل من المستحيل، أن يستسلمَ، فيُمكِن أن يتراجعَ قليلًا أو كثيرًا إلى الوراء، ويُمكِن أن يضعفَ، ولكنَّه لن ينتهيَ أو يتخلَّى عن أهدافه ولا عن برنامجه مهما كان الثَّمن، وهو ما كرَّر قوله نائب الأمين العامِّ للحزب نعيم قاسم. وبالمناسَبة هُناك مُرَشَّحان اثنان قويَّان لقيادة الحزب أوَّلهما هاشم صفي الدِّين، ونعيم قاسم. على الضفَّة «الإسرائيليَّة»، ومع انتعاش نتنياهو ومجموعة (الكابينيت) والمُتطرِّفين في كيان الاحتلال، باتَ نتنياهو مُصابًا بجنون العظَمَة، ولم يبقَ ما يردعُه ويُعِيدُه إلى صوابِه، وذلك بعد سلسلةٍ ناجحة من الاغتيالات المتواصلة الَّتي أعادتِ الاعتبار لأجهزةِ المخابرات العسكريَّة، الَّتي كانت قد ضربتْ وساءتْ سمعتها، منذُ هجوم السَّابع من أكتوبر الماضي 2023. لكن ومَن يدري قد تكُونُ بدايةَ دحْرِ مشروع نتنياهو المُشار إِلَيْه «شرق أوسط جديد» ورسم المنطقة بما يُلبِّي مصالحها وأهدافها. وانطلاقًا من فَورته وانتعاشه، يعمل على تقليد خطوات الرَّئيس «الإسرائيلي» السَّابق المُتوَفَّى شيمون بيريز، على طرح ما يُسمَّى بـ»شرق أوسط جديد» على مقاسه تمامًا، وعلى مقاس مصلحة «إسرائيل» وعلى حساب المنطقة وشعوبها. إنَّ تحقيق الهدف «الإسرائيلي» بـ»شرق أوسط جديد، والتَّطبيع الشَّامل...إلخ» يَمُرُّ «إسرائيليًّا» على جثة القضيَّة الفلسطينيَّة كما يرَى ساسة من المُتطرِّفين والقتَلَة والمُشبَّعين بالغرائز البهيميَّة في «إسرائيل»، من خلال تصفية كُلِّ جوانبها وتهميشها والقفز عَنْها، وتطبيع مزيدٍ من الدوَل العربيَّة والإسلاميَّة علاقاتها مع دَولة الاحتلال ودمجها في المنطقة، وتنصيب «إسرائيل» دَولة مُهَيْمنة على الإقليم كُلِّه. وهذا غير الممكن بل والمستحيل بِعَيْنِه. إنَّها نشوة وانتعاش المُتطرِّف في لحظاتِ غيابِ العقل.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك