•تظلُّ فرضيَّة المكاشفة في حيثيَّاتها المطلوبة مرهونةً بالتَّحرر من نزعات المعاتبة المبنيَّة على المُغالَبة، بل والأكثر من ذلك، أن تكُونَ في منأى من نزعات التَّكسير والتَّشفِّي واسترجاع الرِّوايات السَّابقة الَّتي كانت سببًا في القطيعة تحت ذريعة التَّذكير.
•الحال، لا يستقيم مفهوم المكاشفة إذا لم يرتبط بمعلومات مُوثَّقة لا غبارَ عَلَيْها استشرافًا للمستقبل في عرضٍ هادئ يَنْحو إلى التَّهوين و(عفَا الله عمَّا سلَف)، أي بإطلالةٍ يُحرِّكها الأمل في دليلٍ قاطع منزَّه من أيِّ غرض تشويهي يحرِّكه التَّشهير والمناكدة.
•لا تصحُّ المكاشفة إن كان الغرض مِنْها فتْحَ الجروح وتشغيل الأرباح الجانبيَّة في منهج تدبيري يُسيء إلى مفهوم المصالحة الَّتي تُعِيد للسِّلم العادل واقعيَّته المطلوبة.
•إنَّ السّكوتَ المُتعمَّد على الخطأ واحد من أكثر دوافع التَّخرُّس الظنِّي، وتظلُّ العمليَّة مجرَّد تمسرح للإشكاليَّة القائمة، وبمعنى مُضاف لا يستقيم المفهوم التَّوضيحي للمعاتبة إذا لم تقترنْ بوقائع يُراد بها العبور نَحْوَ أُفقٍ جديد من العلاقة المتوازنة.. هُنَا بَيْت القصيد في العبور الأمين إلى الصُّلح، وهُنَا أيضًا عَلَيْنا أن نتوقفَ عِند الاية الكريمة (فإذا الَّذي بَيْنَك وبَيْنَه عداوة كأنَّه ولي حميم) امتدادًا لقوله تعالى (ادفع بالَّتي هي أحسن)، (كأنَّ) أداة تشبيه قلبتِ الموازنة من الخصومة إلى الصَّداقة في إجراءٍ استدراكي نبيل تحتِّمه أولويَّة إنسانيَّة لقِيَم التَّقارب المُجتمعي أحَد متطلَّبات التَّنمية البَشَريَّة النَّفْسيَّة، وبالمقابل يكُونُ تصنيع التُّهم لغرضِ الإساءة والتَّنكيل وابتغاء الأذَى ليس سوى استبعاد الصَّحيح، وعِند هذا، لا يبقَى للمداولةِ إلَّا طَعم التَّشكيك وإعادة خلط الأوراق.
•إنَّ العديد من الخصومات والنزاعات لا يُمكِن أن يكُونَ لهَا عمر طويل لو أنَّ محرِّكيها يمتلكون قدرًا من الحسِّ بالمسؤوليَّة الانضباطيَّة.
•لقد هالَني حقًّا ما جرَى من خلاف في الأيَّام القليلة الماضية نشِبَ بَيْنَ شقيقَيْنَ على ملكيَّة نخلةٍ واحدة فقط في بستان عامرٍ بعشرات أشجار النَّخيل إرثًا من أبٍ، الحادث حصلَ في محافظة بابل العراقيَّة، ونتجَ عَنْه مقتل ثلاثة أشخاص بَيْنَهم امرأة، وأي حماقة أن يلجأَ البعض إلى تمرير سطوته الأُسريَّة من خلال العنف وتوسيع حدود الكُره والإذلال، ثمَّ أين هو التَّبرير المُقْنع للعددِ الهائل من حالات الطَّلاق بَيْنَ الأزواج لمجرَّد خلافات عائليَّة بسيطة كان يُمكِن تلافيها بالمداولة الهادئة وقطع الطَّريق على المناوشات؟
•الوقائع اللافتة الآن، تزايد قمامة المنازل لطغيانِ الحسِّ الاستهلاكي العامِّ وارتفاع وتيرة الشَّد العصبي على قضايا لا تستحقُّ الاستنفار، بل التَّهدئة وضبط إيقاع المداولات.
•لقد روَى لي قاضٍ صديق يبتُّ في مواضيع الأحوال الشَّخصيَّة، أنَّ طلباتِ التَّفريق بَيْنَ الأزواج تتحرَّك وفق خطوط بيانيَّة متصاعدة دائمًا، ومن النَّادر أن ينتصرَ أحَد الأزواج ويعترفَ بالأخطاء الَّتي ارتكبها ويصلحَ حاله، وإن حصل يجد الطَّرف المقابل في ذلك فرصةً للتَّمادي وتسجيل المواقف، والطَّريف وعلى وفق معلومات ذلك القاضي الصَّديق أنَّ مُعدَّلات الطَّلاق ترتفع خلال الصَّيف أكثر مِنْها في الشِّتاء، ولم أستطعْ أن أجدَ تبريرًا مُقنعًا لذلك التَّباين في مُعدَّلات الطَّلاق بَيْنَ هذيْنِ الفصلَيْنِ، واللافت وعلى وفق شهادته، أنَّ أغْلَبَ القضايا الَّتي كانت على مكتبه لا يستدعي حلُّها سوى استدراك المنطق والاعتذار والانتصار لحقوقِ العشرة والأطفال، واستجلاب مودَّة تمَّ افتقادها في التَّعصيب والانغلاق والتَّشفِّي.
•في الحديث الشَّريف (ألَا أُخبركم بأفضل من درجة الصِّيام والصَّلاة والصَّدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البَيْنَ)، ونقلتِ الرِّوايات العربيَّة سِيرة مبجَّلة عن حصافة أحْلَم العرب الأحنف بن قيس الَّذي كان بحقٍّ مدرسةً في التَّفاني من أجْلِ الإمساك بما يُعِين على رأب الصَّدع.
•إنَّ استعادةَ ولاية التَّسامح أعظم بلاغٍ تطهيري للرُّوح الإنسانيَّة من الضَّغينة.
عادل سعد
كاتب عراقي