الأربعاء 09 يوليو 2025 م - 13 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

«الصمت الاستراتيجي»

«الصمت الاستراتيجي»
الأربعاء - 02 أكتوبر 2024 04:01 م

جودة مرسي

30

تتعدَّد التَّعريفات الخاصَّة بمصطلح (الصَّمْت الاستراتيجي)، كلّ حسب الواقعة أو الحدَث الَّذي ذُكرت فيه العبارة، أو المصطلح، فمثلًا يُعرف المصطلح بالإشارة إلى استراتيجيَّة تنطوي على حجب بعض الأفكار إلى حين تأتي اللَّحظة المناسبة لطرحِها، أو تعمد تجاهل الرَّدِّ لهدفٍ استراتيجي. وهو ليس صمتًا بسبب تقاعس إداري أو رقابي. أمَّا على الصَّعيد الوظيفي، فإنَّ الصَّمْتَ الاستراتيجي يهدف إلى تقييم أداء إيجابي، أمَّا في ما نريد أن نتحدثَ عَنْه هو التَّعريف المقصود بتعرُّض دَولة ما لعدوانٍ خارجي، كغارةٍ جوِّيَّة أو تفجير صاروخي تسبَّب في إيقاع ضحايا أبرياء، حينها تعلن هذه الدَّولة المعتدَى عَلَيْها «الاحتفاظ بحقِّها في الرَّدِّ». وهو صَمْتٌ استراتيجي لتجنُّبِ حربٍ لا يُمكِن التنبُّؤ بتداعياتها. ويُقصد مِنْها التروِّي قَبل التورُّط في هجومٍ على أيِّ عدوان خارجي، وهُنَا تكمن المُشْكلة في هذا المصطلح الَّذي طالَما كثر عديد المرَّات الَّتي تردّد فيها في تصريحات رجال السِّياسة والمسؤولين وصنَّاع القرار منذُ بداية العدوان الهمجي من دَولة الاحتلال الصهيونيّ على بعض الدوَل في منطقة الشَّرق الأوسط.

وللولوج إلى الموضوع سريعًا وبالتَّدقيق في عديد المرَّات الَّتي تمَّ العمل فيها بهذا المصطلح، سواء ذكر صراحةً أو لم يذكرْ ولكنَّه كان حاضرًا، بداية من الاعتداء الغاشم الَّذي طال أحَد القيادات المُهمَّة في المقاوَمة الإسلاميَّة في لبنان، ثمَّ تبع ذلك تفجيرات (البيجر) أجهزة الاتِّصالات اللاسلكيَّة ووقع على إثرها العديد من الشهداء والمُصابِينَ واستعمل المصطلح حتَّى لا تتسعَ دائرة العدوان على الرّغم من أنَّ التَّقارير تقول إنَّ المقاوَمة الإسلاميَّة تملك من الإمكانات ما يُتيح لها تحقيق ضربات موجعة للكيان المحتلَّ، ثمَّ تبع ذلك الحادث الأكبر باغتيال الأمين العامِّ لحزب الله، وتقريبًا قيادات الصَّف الأوَّل في الحزب. وكانت كُلُّها ضربات متلاحقة من العدوِّ الصهيوني الَّذي تجرَّأ على فِعل ذلك بعد أن أمِنَ العقاب، حين تخلَّت المقاوَمة الإسلاميَّة في جنوب لبنان عن الردِّ القوي والحسمِ والاكتفاء بالإسناد.

تسلسل الأحداث ونتائج الصِّراع على الأرض يقول إنَّ هذا العدوَّ الصهيوني لا يملك من الأدوات الَّتي تُحقق له مجازره سوى المعلومات الَّتي يملكها، سواء من الاختراق الأمني للمقاوَمة الإسلاميَّة في جنوب لبنان أو المساعدة الاستخباراتيَّة من الدوَل الغربيَّة والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة الَّتي تمدُّه بالسِّلاح والعتاد لتنفيذِ جرائمه، ورُبَّما يكُونُ الصَّمت الاستراتيجي خوفًا من تدخُّل عسكري مباشر من القوَّات الأميركيَّة الموجودة بالمنطقة، إنَّما الحقيقة على أرض المعركة تُثبت أنَّه ينال هزائم مروِّعة بريًّا، والدَّليل هو عجزه عن إرجاع المستوطنين إلى الشَّمال الفلسطيني المحتلِّ، والخسائر الفادحة الَّتي يتلقَّاها على يدِ المقاوَمة الإسلاميَّة في غزَّة، وعدم القدرة بعد مرور ما يقرب العام على استرجاع الأسرَى من يَدِ المقاوَمة الفلسطينيَّة. قد يتوهَّم العدوُّ الصهيوني أنَّ الطَّريق أصبحَ متاحًا له ويُمكِنه الآن احتلال أجزاء من جنوب لبنان ليأمنَ أيَّ مواجهات مستقبليَّة أن تكُونَ خارج أرضه إذا نجح في هذا بريًّا وأنشأ منطقة الخطِّ الأزرق الفاصل بَيْنَ لبنان والأراضي المُحتلَّة، ثمَّ يتَّجه بعد ذلك إلى تحقيق جزء آخر من حلمه التَّوراتي بالاستيلاء على أراضٍ جديدة بعد الجولان السوري، ولن يوقفَه عن تحقيق ذلك إلَّا الابتعاد عن مصطلح الصَّمْت الاستراتيجي من المقاوَمة الإسلاميَّة في جنوب لبنان وضربه ضربة موجعة ومؤثِّرة في قلبِ الكيان، حينها فقط سيعرف أنَّ الحزب ما زال قويًّا، وإذا كان نجحَ في اغتيال أمين عامِّ الحزب فإنَّ ذلك كان لسببِ (الصَّمْتِ الاستراتيجي) والابتعاد عن ضرب المَدَنيِّين والتمسُّك بالإسناد لعدمِ اتِّساع رقعة الحرب، والحقيقة أنَّ هذا العدوَّ الصهيوني لا يعرف مِثل هذه النَّزاهة في الحروب فإنَّ منطقه المتطرِّف وحكومته المتطرِّفة لا تعرف إلَّا الغدر وقتل الأبرياء.

جودة مرسي

من أسرة تحرير «الوطن »