صدر يوم الأحد في الحادي عشر من شهر أغسطس لسنَة 2024، في العدد 1699، من السَّنة السبعين لإصدار الجريدة الرسميَّة بدَولة الكويت الشَّقيقة، النِّظام (القانون) الموَحَّد للعملِ التطوُّعي بدوَل مجلس التَّعاون الخليجي. ويُعَدُّ صدور هذا القانون حدثًا تاريخيًّا مُهمًّا على المستوى المحلِّي والعالَمي، وهو إحدى الخطوات المهِمَّة المُعزِّزة لأواصر الوحدة الخليجيَّة المشتركة.
وقد تضمَّن هذا القانون خمس موادَّ قانونيَّة، حيث تضمَّنت المادَّة الأولى تعاريف للعبارات المستخدمة في القانون، كما نصَّت المادَّة الثَّانية على أهداف هذا النِّظام (القانون) وهي: نشْرُ ثقافة العمل التطوُّعي، واستقطاب المتطوِّعين لخدمة المُجتمع، وتطوير وتنظيم العمل التطوُّعي بدوَل مجلس التَّعاون الخليجي، وتعزيز وتطوير دَوْر الأفراد والمؤسَّسات في العمل التطوُّعي، كما نصَّت المادَّة الرَّابعة على المهام الَّتي تتولَّاها السُّلطة المختصَّة بالعمل التطوُّعي وهي: إصدار ما يلزم من تراخيص ذات الصِّلة بالعمل التطوُّعي، وتنظيم سجلِّ العمل التطوُّعي، والإشراف والرّقابة ووضع القواعد المنظِّمة للعمل التطوُّعي، والفصل في الشكاوى والنزاعات بَيْنَ الأطراف ذات العلاقة بالعمل التطوُّعي، كما أعطى القانون الصلاحيَّات للجهةِ المختصَّة لإجراء البحوث وإصدار النَّشرات المختصَّة، وإقامة النَّدوات والفعاليَّات وتزويد الجهات المعنيَّة بأيِّ بَيِّنَات ذات صِلة بالعمل التطوُّعي. كما نصَّت المادَّة الخامسة على أنَّه ينشأ في السُّلطة المختصَّة سجلٌّ يُقيَّد فيه أسماء المتطوِّعين وتخصُّصاتهم والفِرق التطوُّعيَّة والبرامج والأنشطة التطوُّعيَّة والجهة المتطوَّع لدَيْها والبَيِّنَات والمعلومات الخاصَّة بالعمل التطوُّعي، كما حظرتِ المادَّة الخامسة إنشاء أيِّ فِرق أو جماعات أو لجان تطوُّعيَّة دُونَ ترخيصٍ.
والواقع أنَّ إصدار قانون موَحَّد لدوَل الخليج العربي للعملِ التطوُّعي يُعزِّز من أواصر التَّلاحم والتَّرابط الخليجي. فوجُودُ مظلَّة تشريعيَّة مشتركة تنظِّم العمل التطوُّعي يُقرِّب من وجهات النَّظر، ويشجِّع العمل التطوُّعيَّ وفق معايير موَحَّدة. ويأتي هذا القانون الموَحَّد امتدادًا لتشريعاتٍ أخرى موَحَّدة بَيْنَ دوَل مجلس التَّعاون الخليجي، في مجالات مختلفة مِثل قانون الجمارك الموَحَّد. إنَّ وحدة التَّشريعات بَيْنَ دوَل مجلس التَّعاون في مجالات مختلفة، وفي قِطاعات متنوِّعة تُعزِّز التَّلاحم الخليجي، وتقوِّي أواصر الوحدة لِتكُونَ دوَل الخليج العربي نموذجًا تاريخيًّا يُحتذَى به في مجال التَّعاون بَيْنَ الدوَل. إذ يُعَدُّ التَّوحيد في التَّشريعات أحَد المُقوِّمات الرئيسة لِتَعزيزِ الوحدة بَيْنَ الدوَل.
وقد تضمَّن القانون الموَحَّد بنودًا تنظِّم عمليَّة التطوُّع لِيكُونَ هناك إطار موَحَّد في دوَل الخليج العربي جميعًا دُونَ استثناء، نذكُر أهمَّها: إيجاد قواعد بَيِّنَات للمطوِّعين وفق نموذج شِبه موَحَّد في كُلِّ دَولة من الدوَل الأعضاء، وهذه القاعدة الَّتي ستكُونُ في كُلِّ دوَل الخليج ستسهِّل تشكيل قاعدة بيانات خليجيَّة مشتركة للمتطوِّعين لِتكُونَ هذه القاعدة أساسًا يُستفاد مِنْها في الأنشطة التطوُّعيَّة المشتركة بَيْنَ دوَل الخليج العربي، ويُمكِن الاستفادة من قاعدة البيانات المشتركة للمتطوِّعين في حالة الحاجة للعملِ التطوُّعي في مجال الأعمال الإنسانيَّة عند اللزوم. وستضمُّ قاعدة البيانات ـ بطبيعة الحال ـ الفرص التطوُّعيَّة الَّتي تُطرح ويُستقطب لها المتطوِّعون.
ومن البنود الَّتي تنظِّم عمليَّة التطوُّع ضرورة تقديم الدَّعم الفنِّي للعمل التطوُّعي، حيث أوكل للجهة المختصَّة بالعمل التطوُّعي ضرورة تقديم الدَّعم الفنِّي لتطوير أداء العمل التطوُّعي، عن طريق البحوث العلميَّة، والنَّدوات والمؤتمرات، أي أنَّ القانون أعطى أهميَّة للتَّطوير الفنِّي المختصِّ في مجال العمل التطوُّعي لِينتقلَ العمل التطوُّعي من التلقائيَّة والبساطة في العمل إلى الاحترافيَّة والمهنيَّة.
ويُعَدُّ هذا القانون نقلةً تطويريَّة مهِمَّة في مجال العمل التطوُّعي الفردي، حيث يعطي الفرصة للأفراد للحصول على فرص تطوُّعيَّة، ويحفظ حقوقهم ويُحدِّد واجباتهم، كما يرسم هذا القانون خريطة واضحة لخبرات المتطوِّعين وكفاءاتهم وإمكاناتهم الَّتي يُمكِن الاستفادة مِنْها لخدمة المُجتمع.
ونذكُرُ في هذا السِّياق مدى التَّقارب في التَّشريعات الخليجيَّة في مجال المنظَّمات الأهليَّة، سواء في مجال التَّشريعات المتعلِّقة بالجمعيَّات الاجتماعيَّة والأهليَّة أو الجمعيَّات التَّعاونيَّة، فتجد أنَّ القوانين والتَّشريعات في هذا المجال متشابهة في النَّهج والمحتوى، الأمْرُ الَّذي عزَّز التَّعاون بَيْنَ الجمعيَّات في دوَل الخليج العربي، وفتحَ آفاقَ تبادُل الخبرات بَيْنَها، كما عزَّز مبدأ التَّلاحم بَيْنَها في المحافل العربيَّة والعالَميَّة في مجال العمل التطوُّعي الجماعي.
نسأل الله العلي القدير أن يحفظَ دوَل الخليج العربي قادةً وشعوبًا، ويُديمَ عَلَيْها نعمة الأخوَّة والتَّرابط والمَحبَّة والأمْنِ والأمان، ويجعلها من خير الأُمم الَّتي أُخرِجت للنَّاس... ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
Najwa.janahi@