تعتبر دولة اليعاربة من الدول التي خلدت ليس في التاريخ العماني فحسب، إنما في تاريخ الخليج والعرب بصفة عامة، بحكم أنها الدولة التي نجحت في طرد البرتغاليين ليس فقط من السواحل العمانية، إنما من سواحل الخليج بقسميه الفارسي والعربي ومنطقة المحيط الهندي، وصولا إلى شرق أفريقيا.وقد نجح الامام ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة في توحيد الأرض العمانية وفي طرد البرتغاليين من الساحل العماني ماعدا مسقط، وتمكن من إلحاق الخسائر الكبيرة بالقوات البرتغالية وإجبارهم على مغادرة المعسكرات والمواقع التي كانوا يرابطون فيها، وتعتبر فترة حكمه من أهم الفترات في تاريخ الصراع العماني البرتغالي نظرا لحجم المجهودات التي قام بها الإمام ناصر بن مرشد ونجاحه في السيطرة على العديد من مدن الساحل العماني مثل صحار وصور وغيرها، في الوقت الذي كانت فيه البرتغال في طريقها للاستقلال عن اسبانيا، وهو الحدث الذي كان له تأثير في وجودهم في المنطقة وفي عملياتهم العسكرية، فقد خضعت البرتغال للسيطرة الأسبانية منذ عام 1580م على يد الملك فيليب الثاني، وامتدت هذه السيطرة نحو 60 عاما، عندما استقلت البرتغال عام 1640م.وبعد وفاة الامام ناصر بن مرشد عام 1749م، تمت مبايعة ابن عمه وقائد جيشه سلطان بن سيف بن مالك اليعربي، الذي استأنف القتال والجهاد ضد البرتغاليين، واستكمال تحرير بقية الأراضي العمانية من قبضتهم، والتي كانت تتمثل في مسقط، وقد نجح الامام سلطان بن سيف في تحقيق المكاسب السياسية والعسكرية عندما حاصر البرتغاليين في مسقط وأجبرهم على توقيع هدنة تضمنت الكثير من الشروط التي أملاها العمانيون على البرتغاليين، وكان أبرز ما جاء في هذه الهدنة، أن يقوم البرتغاليون بهدم القلاع التي يملكونها في كل من مطرح وقريات ودبا وصور وتسويتها بالأرض، وفي مقابل ذلك يهدم الإمام قلعة كان قد أمر ببنائها في مدينة مطرح، ومعنى ذلك أن تبقى مطرح ميناء حراً لا يخضع لأى من الجانبين، كما تعهد العمانيون بتدمير كافة التحصينات التي أقاموها خلال فترة حصارهم للبرتغاليين، وألا يكون للبرتغاليين حق إقامة تحصينات أخرى على أنقاض الحصون البرتغالية، واعتراف البرتغاليين بحرية التجارة في مسقط والمحيط الهندي، وأن تمر السفن العمانية في البحر دون تفتيش، وأن تكون هناك صداقة بين ملك البرتغال وإمام عمان، وألا يعتدي العمانيون على البرتغاليين، وأن تكون التجارة حرة وبدون عوائق بين الطرفين.وبعد انحسار النفوذ البرتغالي في عمان بصفة عامة ومسقط بصفة خاصة، اضطر البرتغاليين إلى اختيار مقر آخر لإعادة تنظيم صفوفهم من جديد، فوقع اختيارهم على ميناء كنج ، الذي كان أحد أهم الموانئ الواقعة على الخليج، وقد أقيمت فيها مؤسسة برتغالية، ولمدة قصيرة وكالات هولندية وانجليزية، وعندما كانت بندر عباس مركز التجارة الهولندية والإنجليزية في القرن السابع عشر تركزت معظم تجارة العرب من غير العمانيين والهنود في بندر كنج، وقد ورد في المصادر الإنجليزية بأن بندر كنج كان أفضل المدن بناء، وقد اختفى هذا الميناء تقريبا خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر، إلى أن أصبح في طي النسيان بعد ذلك، وقد قام العمانيون بمهاجمة البرتغاليين في هذا الميناء في عام 1695م.ولم يكتف العمانيون بذلك، بل أخذوا في تعقب البرتغاليين في مناطق الخليج الأخرى، وكذلك في معاقلهم في المحيط الهندي وسواحل الهند الغربية، حيث أخذت تتصاعد القوة البحرية العمانية ويتنامى الأسطول العماني، الذي أخذ على عاتقه مطاردة البرتغاليين أينما كانوا، ولذلك كان القرار الهام بتوجيه هذا الأسطول إلى السواحل الشرقية لأفريقيا لتتبع البرتغاليين ومهاجمة معاقلهم في سواحل أفريقيا الشرقية، خاصة في كلوة وزنجبار وممباسا، وغيرها من المناطق الأخرى، مما يعد احياء الوجود العماني في شرق أفريقيا، ووضع اللبنات الأولى للامبراطورية العمانية في العصر الحديث.ويعتبر عهد الامام سيف بن سلطان الأول اليعربي، الفترة الذهبية في تاريخ الصراع العماني البرتغالي في شرق أفريقيا، عندما نجح العمانيون في وضع حد للنفوذ البرتغالي في هذه المنطقة، بفضل نمو تصاعد القوة العمانية البحرية، التي لم يستطع البرتغاليون الصمود أمامها، ايذانا بتطهير العمانيين لمنطقة المحيط الهندي والسواحل الغربية للهند خاصة في مانجلور من الوجود البرتغالي.الهوامش:1- كلوة: مدينة مجاورة لمقديشو في ساحل شرق أفريقيا، تأسست عام 972م، من قبل مجموعة من المهاجرين الذين قدموا من شيراز واستقروا في القسم الجنوبي من ساحل أفريقيا الشرقي، ليأسسوا دولة استمرت من القرن العاشر الميلادي إلى القرن السادس عشر وجعلت كلوة عاصمة لها ولكافة المستعمرات الاسلامية العربية والشيرازية في كافة سواحل أفريقيا الشرقية حتى مجيئ البرتغاليين، وهي من المدن التي زارها الرحالة العربي المشهور ابن بطوطة في القرن الثامن للهجرة2- زنجبار: كلمة فارسية بمعنى زنج، مركبة من كلمتي زنج وبار، بمعنى ساحل الزنج أو أرض السواد، وتسمى بالسواحيلية «انغوجاء»، وتعني بالعربية امتلأ المنسف، تقع جزيرة زنجبار في المحيط الهندي، في شرق أفريقيا، ويبلغ طول ساحلها 85 كم، وعرضها يقارب 40 كم، ومساحتها 3400كم، وكانت تسمى في القرن الأول الميلادي «منشونيا» أو «منشونياس» وتمتاز هذه الجزيرة بموقع متوسط بين موانئ شرق أفريقيا، وتتمتع بطقس معتدل وأراضيها خصبة، وفيها ميناء كبير صالح للملاحة، وتنبع منها أعذب مياه في شرق أفريقيا، وسميت زنجبار بستان أفريقيا الشرقية لجمال الطبيعة فيها وهي محاطة بأشجار القرنفل والنارجيل وقصب السكر، وخضعت للحكم العربي العماني أكثر من 250 سنة من قبل سلاطين آلبوسعيد، وتم اتخاذها عاصمة ثانية للامبراطورية العمانية في عهد سعيد بن سلطان، الذي عندما انتقل إليها زاد عدد السكان خاصة من العرب، وقام بزراعة شجرة القرنفل بها التي كانت من أعمدة الاقتصاد الزنجباري، واستطاع أن يجعل منها مركزا رئيسيا للتجارة في المياه الغربية للمحيط الهندي وضاعف من دخله عشرات المرات3- ممباسا: «منبسة» بالفتح ثم السكون، مدينة كبيرة بشرق أفريقيا، ترفأ إليه المراكب، وكانت تسمى «غنغوبا»، وتسمى أيضا «امفيت» ومعناها حرب، ويقال بأن البرتغاليين هم من أطلق عليها اسم ممباسا نسبة إلى أحد قادتهم يدعى ممباسا، وكان أول والي عليها من قبل اليعاربة هو محمد بن سعيد العمري، ثم استبدل بصالح بن سعيد الحضرمي عام 1735م، وجاء بعده محمد بن عثمان المزروعي عام 1739م.4- سيف بن سلطان الأول: هو الإمام سيف بن سلطان اليعربي، لقب بقيد الأرض دلالة على عدله الذي أحاط به البلاد، خاض معارك كثيرة ضد البرتغاليين، وازدهرت في عهده الأوضاع الاقتصادية من خلال نشاط تجاري واسع بفضل ضخامة وقوة الأسطول، ومن خلال الاهتمام الواسع بالزراعة، وبني في عهده الكثير من القلاع والحصون، مما سجل له المؤرخون كرجل حرب وسياسة ودولة. وتوفي في أكتوبر عام1711م، بعد أن دام حكمه 19 عاما.