أنس فرج محمد فرج:
ذكرت الآية الكريمة التى سنذكرها الآن أن الإيمان بالله تعالى هو أعظم تجارة ليس هذا فحسب بل هو التجارة الرابحة ولابد إذا أردنا أن يستقر الإيمان في قلوبنا أن ندافع عن هذا الأيمان ندافع عن هذا الدين الذي ارتضاه الله تعالى لنا ولا يكون الدفاع عن الدين إلا بالجهاد في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمة الله عالية خفاقة قال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (الصف 10 ـ 11).
إن الله تبارك وتعالى ينادي على الجماعة المؤمنة في كل عصر ومكان ليبين لهم طريق الخير وسعادة الدارين ويصف لهم التجارة التي لا تبور لتكون لهم النجاة من العذاب الأليم في اليوم الذى (تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (الحج ـ 2)، وقال تعالى في (سورة الشعراء 88 ـ 89): (يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم ) خالٍ من الحقد والحسد والكراهية للمسلمين التجارة مع الله تعالى رابحة ومضمونة فيها سعادة الدنيا وفوز الآخرة وتتلخص التجارة مع الله تعالى في شيئين لا ثالث لهما.
ـ الإيمان بالله تعالى: ومعنى الإيمان بالله تعالى أن يؤمن المرء بوحدانية الله تعالى في الذات والصفات والأفعال وإنه لا يشاركه مشارك ولا ينازعه منازع تعالى وتقدس وتنزه عن الشريك والصاحبة والولد (لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد) .. يؤمن المرء بوجوده تعالى وأنه (الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى) (الأعلى 3 ـ 5)، وأن هذا الكون من صنعه أوجده سبحانه وتعالى دلالة على قدرته فالإيمان بالله تعالى شعور غريزى في الإنسان مودوع في أصل خلقته.
أرسل الله الرسل وأنزل الكتب ليكمل به الفطرة ويُفصِّـل ما أُجمل فيها، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبى (صلى الله عليه وسلم):(ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وكل ما فطر عليه بنو آدم من الاعتراف بخالقهم وفاطرهم وما ينطق به كتاب الموجودات الذي يقرأه الإنسان صباح مساء وبلوغ دعوة الأنبياء كل هذه أدلة على الإيمان وما على المؤمن إلا الطاعة المطلقة لهذا الإله القادر حتى يكتمل عنده الإيمان والطاعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي إيمان (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (النساء ـ 80)، ويقول الله عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر ـ 7)، فمن أطاع الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) فأعطى لله وأحب لله ومنع لله وأبغض لله نفذ الأمر واجتنب النواهي فقد استكمل الإيمان وكان الجزاء عند الله تعالى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت تعالى للمتقين الطائعين المخلصين هذا هو الجزء الأول من التجارة مع الله تعالى.
ـ الجهاد في سبيل الله: الجهاد في سبيل الله هو التجارة التى لن تبور تجارة بالأموال والأنفس والجهاد فريضة الله تعالى ماضيا في هذه الأمة إلى أن تنتهي الدنيا، قال (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه أبو داود:(والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله تعالى لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال) شرع الله تعالى الجهاد دفاعاً عن النفس والوطن والدين والعرض وللقضاء على الفتن التى تقضى على الشعوب وتفسد الأخلاق وكذلك أيضا قتال ناقضي العهود والمواثيق.
ويجب أن نعلم أن الدين لا يميل للانتقام إلا عند الضرورة الملحة يقول الله تعالى: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً) (النساء ـ 90)، فالإسلام دائماً يؤثر السلم على الحرب ولا يحمل حقداً لأحد ويدعو إلى الوحدة الإنسانية ومحو الفوارق الطائفية والطبقية التي فرقت بين الإنسان والإنسان وبين الجماعة والجماعة ومما يثير الدهشة ويدعو إلى العجب أن النبى (صلى الله عليه وسلم) بدأ جهاده بالقول والبيان والحجة والبرهان، ودعا الناس أن ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما أبدع الله تعالى فى الكون من بديع الصنع وآيات الإحكام والإتقان وعلى هذا النحو من الاستدلال العقلي قامت الدعوة المحمدية ليصل الناس إلى الإيمان بالله خالقهم ورازقهم وفاطرهم ومربيهم يصلوا إليه من طريق الفكر لا من طريق الإكراه، يقول الله تعالى:(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (البقرة ـ 256).
وبذلك يظهر سر اختيار النبى (صلى الله عليه وسلم) للجهاد بالكلمة فللكلمة والإقناع من التأثير على النفوس ما لا يكون لقواطع السيوف، وقد قرر علماء النفس أن السيف لا يقر عقيدة ولا ينشر ديناً بل يزيد الإنسان تمسكاً بعقيدته الأولى تمادياً في الباطل وتحفظاً على كتمان ما في النفوس من مقاصد سيئة وهذا من شأنه يكثر من عدد المنافقين وفي ذلك أبلغ رد على من زعم أن الإسلام انتشر بالسيف وآيات الجهاد في القرآن الكريم وأحاديث النبي العظيم والرسول الكريم إنما هي في قتال الكفار المحاربين (ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..) (البقرة ـ 217)، وقتال هؤلاء إنما لمقابلة العدوان بمثله وهذا أمر تقرره الرسالات السماوية كلها (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ..) (الحج ـ 40)، لهذا كان الجهاد أحب الأعمال التى تقرب المرء من ربه وإن أفضل الموت موت الشهداء قال الله تعالى في (سورة آل عمران الآية ـ 169): (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سُئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أفضل الأعمال قال:(إيمانٌ لا شك وغزوٌ لا غلول فيه وحجٌ مبرور)، ومن هذا يتبين أن الإسلام دين تراحم وسلم لمن سالم وفي الوقت نفسه جهاد وحرب لمن حارب (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) (الأنفال ـ 61).
ولا يفوتنا أن نذكر ونبين أن الجهاد في سبيل الله تعالى ليس قاصراً على الدفاع عن الدين والوطن فحسب بل في سبيل الله يشمل الدفاع عن الحق والصبر على المكاره وتعلم العلم ونشره ومقاومة نزوات النفس والهوى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبذل المال في الخير وما إلى ذلك مما فيه صلاح الدنيا والدين، فالصبر عند البلاء جهاد والشكر عند الرخاء جهاد والرضا بمر القضاء جهاد والصدقة والصيام والصلاة والزكاة والحج جهاد ومقاومة النفس والهوى والشيطان جهاد والتسامح والعفو والصفح جهاد والخلق الطيب والمعاملة الحسنة جهاد والإحسان إلى الوالدين والجيران والمسلمين جهاد فليس كل الناس يقدر على الجهاد في سبيل الله والدفاع الدين بحرب أعداء الله إلا من تدرب على القتال وكانت عنده عزيمة صلبة وقدرة على حمل السلاح بينما الكثير من الناس يقدر على الجهاد الثاني بالكلمة الطيبة بالشكر لله تعالى ولمن أحسن ألينا بحمل النفس على الذكر والفكر بأن تبيت وليس في قلبك غل أو حقد لأحد فكلها أفعال وأقوال باستطاعة أي إنسان.
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.