[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]ربما يندهش الكثيرون إذا علموا أن خزينة دولة العراق في يوم ما لم يكن بداخلها سوى مائة ألف دولار، وهو البلد النفطي ويقف في مقدمة الدول العربية الثرية، فقد حدّثني الدكتور محمد مهدي صالح وزير التجارة العراقي ( 1987 - 2003 ) ضمن ما حدّثني به خلال لقاءات جمعتنا في العاصمة الأردنية بعد خروجه من سجون الاحتلال الأميركي حيث تم اعتقاله لعدة سنوات، لا لسبب فقط لأنه كفاءة عراقية مشهود له بالنزاهة والعمل الدؤوب لتوفير مستلزمات البطاقة التموينية التي عاش منها العراقيون في اصعب سنوات الحصار الذي بدأ فرضه من قبل الأميركان وبعض الدول العربية في عام 1990، وواصلوا اعتقاله لأنه رفض عروض المحتل الأميركي للعمل معهم والتعاون لإنجاح وزارة التجارة التي غرقت في مستنقعات السرقات والفساد في ظل حكومات المحاصصة في زمن علاوي والجعفري وبعد ذلك نوري المالكي.ومن بين الكثير من الحقائق والمعلومات والوقائع التي يدونها الدكتور محمد مهدي صالح في مذكراته وحدّثني بها، أنه وبحكم منصبه وزيرا للتجارة فإنه يتسلم وزارة المالية في حال سفر الوزير أو انشغاله، يقول التقيت رئيس البنك المركزي العراقي في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي إبان الحصار القاسي المفروض على العراق، وكان حينها رئيس البنك المركزي المرحوم الدكتور عصام الملا حويش العقلية المصرفية والاقتصادية العراقية المعروفة بحضور رئيس مصرفي الرافدين والرشيد وهما مصرفان حكوميان، يضيف أن رئيس البنك المركزي العراقي اخبره أن كل ما هو موجود في الخزينة العراقية مائة الف دولار فقط، وأن سعر صرف الدينار قد تراجع امام الدولار الأميركي ليسجل في تلك الايام مبلغا قدره بحدود ألف وسبعمائة دينار للدولار الواحد، وقرر الوزير أن يبدأ البنك المركزي ببيع الدولار في السوق، وتخّوف الدكتور عصام حويش من الخسارة، لكن الدكتور محمد مهدي صالح وقّع كتابا موجها إلى الرئيس الراحل صدام حسين بهذا الشأن ولم يطلب الموافقة وإنما للاطلاع فقط.بعد شهر من ذلك التاريخ - كما يذكر وزير التجارة الأسبق - حقق البنك المركزي ارباحا قدرها عشرة آلاف دولار، ووجه الرئيس الراحل بصرفها للعاملين في هذه المهمة الاقتصادية.إن معلومة كهذه لا قيمة لها على الاطلاق لو قدّم رؤساء الوزارات والوزراء الذين تخرجوا من المنطقة الأميركية الخضراء إنموذجا حضاريا ومهنيا نزيها في التعاطي الاقتصادي، ولما تجرأ احد على ذكر هذه القصة وآلاف مثلها، فقد تدفقت الأموال على خزينة العراق بعد عام 2003 بقوة تفوق تدفق مياه دجلة والفرات ولكن بقيت خزينة العراق خاوية وتضخمت جيوب جميع المسؤولين والبرلمانيين ومن يدور في أفلاكهم حتى اصبحت ثرواتهم فلكية بامتياز، في حين غابت حتى البطاقة التموينية التي وصل الأمر بالكثير من العوائل العراقية في السابق لبيعها في السوق لسد ثغرات اخرى تحت سياط الحصار، وكان العقل المبدع في ادارة اقتصاد العراق والعائلة العراقية الدكتور محمد مهدي صالح يسجل في كل يوم مأثرة في الإدارة والإبداع والمسؤولية.