إبحار فكري مع سنوات من العطاء والبذل الأدبي
الأديب الكبير عبدالله الطائي يقترب بروح المفكر الجليل الواثق من المكتبة العمانية بإصدارات متنوعة

مسقط ـ الوطن:
صدر مؤخرا عن دار فضاءات للتوزيع والنشر بعمّان ـ الأردن، الأعمال الأدبية والشعرية للأديب العماني الكبير المغفور له بإذن الله تعالى، عبدالله بن محمد الطائي، المتمثلة (سرديات، والأعمال الشعرية والتي ضمت "الفجر الزاحف ـ وداعا أيهال الليل الطويل ـ حادي القافلة"، إضافة إلى قصائد أخرى عثر عليها كمسودات، والأدب المعاصر في الخليج العربي، وشعراء معاصرون ومواقف، وتاريخ عمان السياسي، ودراسات عن الخليج العربي) . هذه الأعمال الأدبية بدون شك ستشكل إضافة كبيرة للمكتبة العمانية في تاريخها الحديث ومرجعا مهما للباحثين والدارسين، العاملين في القطاع الثقافي في الوطن العربي عموما والسلطنة خصوصا.
في السياق ذاته للأبناء حضور أدبي حيث الإهداء الذي تصدر هذه الأعمال، جاء في سرد مفعم بروح الولاء والاحترام: إلى الوطن الحبيب "عمان" بجميع مناطقه وتقسيماته السياسية، والجغرافية من ساحل وباطنة وداخلية وظاهرة وشرقية ومسقط وظفار، نقدم هذا الكتاب مرددين قول سيدنا الوالد المرحوم عبدالله بن محمد بن صالح الطائي في قصيدة الفتيات الرائدات بديوان الفجر الزاحف:
آمنت بالوطن الصغير جميعه ... وأبيت تجزئة "المزون" إباء
وشهدت ضمن شهادتيّ شهادة ... لعمان لا شيعا ولا أجزاء
يا أمنا الكبرى "عمان" تفاءلي ... فالعلم سوف يبدد الظلماء
الساحل الوثاب لاح ضياؤه ... وغدا يعم النجد والبطحاء
كما كانت للأستاذ الأديب سماء عيسى كلمة احتفائية خاصة في هذا الشأن بعنوان (عبدالله محمد الطائي رحلة الإبداع العماني)، حيث يقول: تعتبر الكتابة من شخصية وكسياسة عبد الله الطائي (1924 – 1973م)، كتابة من مرحلة تاريخية بأكملها، وذلك لتعدد مناحي إبداعه، ولتأثره وأثره البالغين في الأوضاع السياسية وتحولاتها، خاصة وأنها كانت مرحلة تاريخية صعبة وحافلة بالأحداث والعلاقات التي لم يقف أمامها الطائي موقف المتفرج، قدر ما انخرط فيها مشاركاً مما جعل أدبه وفكره متأثرا ومتفاعلاً معها.

جاء عبد الله الطائي كنيزك مفاجئ في الحركة الأدبية المعاصرة، وعمل جاهداً بحكم تكوينه الثقافي المتقدم، على تجديد الأدب العماني وإثرائه، سواء كان ذلك على ريادته لكتابة تجارب الرواية والقصة القصيرة والمسرح، أو التحديث الأساسي الذي أجراه في الشعر العماني، أو تأسيسه لكتابة فن المقالة، وإعادة كتابته للتاريخ العماني عبر روح منهجية وعملية في كتابه المهم: تاريخ عمان السياسي.
وأضاف سماء عيسى : ثم أنه قبل وبعد كل ذلك، كان أبا روحيا لعدد كبير من التجارب الإبداعية ليس في عمان فحسب بل في منطقة الخليج العربي بأكملها، سواء كان ذلك عبر عمله كمدرس للغة العربية، أو عبر نشاطه الميداني في الأندية واتحادات الكتاب والأدباء في البحرين والكويت ، حيث عرف لدى جيل كامل من المبدعين الذين قدرهم وزملائهم في دول الخليج الأخرى عبر كتابه النقدي الرائد: الأدب المعاصر في الخليج العربي.
ويؤكد بقوله : لعبت تجربته الحياتية الشاقة، دوراً مهما في إثراء تجربته الإبداعية، كان طائرا مهاجرا بسبب الظروف المعيشية والسياسية التي شهدتها بلاده، رحل أولا من عمان إلى العراق طالبا في الفترة ما بين 1935 – 1942م، وهي الفترة التي تعتبر مرحلة تأسيسية ثقافية أولى، حيث وهو طالب في بغداد ترسخت لديه القناعات الوطنية والفكرية خاصة القومية، والاتجاهات الفطرية التقدمية التي كانت قد بدأت تنتشر في المشرق العربي آنذاك من هنا نستطيع تتبع جذور انتمائه القومي وهو الانتماء الذي سيطر لاحقا على تجربته الإبداعية والسياسية والتي مع الأسف قطع طريقها الإبداعي الرحب لموت مفاجئ وهو بعد لم يكمل عامه التاسع والأربعين.
وتشير أيضا في سياق حديثه : بدأت بعد تلك المرحلة التأسيسية الأولى من مراحل تجواله الطويل، حيث هاجر إلى باكستان وقضى بها معلماً في المدرسة الإسلامية الحديثة أولاً، ثم معلما للغة العربية في كلية باكستان العربية ومذيعا في الإذاعة الباكستانية وذلك في الفترة ما بين 1948 – 1950م.، وساهمت تلك المرحلة في حياته في انفتاحه على ثقافة جديدة إضافة إلى وعيه العربي، ألا وهي الثقافة الهندية بمختلف روافدها خاصة الإسلامية المتمثلة في أشعار محمد إقبال والهندوسية المتمثلة في أشعار رابندت طاغور.
ويخبرنا بأنه جاء بعدها رحيله واستقراره في البحرين 1950 – 1959م، وهي المرحلة التي ابتدأ فيها عطاؤه الفياض سياسيا وأدبيا وتربويا، خاصة وأنه استقربها في مرحلة انتشار المبادئ القومية، التي انتشرت مع انتشار الثورات العربية في الوطن العربي.
ويقول أيضا : تنوعت في البحرين بين أنشطة التي شملت التدريس والمقال الأدبي والصحفي، وإلقاء المحاضرات، وإقامة الندوات، خاصة وأنه تولى مسؤولية الأنشطة الثقافية في نادي العروبة عام 1957م. تلك المرحلة المهمة من حياته نضاليا وأدبيا لفتت إليه القوى الاستعمارية، الأمر الذي أدى إلى إبعاده من البحرين ، متجها هذه المرة إلى دولة الكويت وبها ابتدأ مرحلة حياة إبداعية أخرى.
رحيل الأستاذ الطائي إلى الكويت جاء برصيد وطني ثقافي عرف به في البحرين وقبلها في باكستان، وشكل وجوده بها امتدادا لعطائه وتطويرا لتجربته الإبداعية، خاصة ما يتعلق بالعمل الصحفي الميداني ونشاط الإبداعي على حد سواء.
وننوه للقارئ الكريم أن هذه المجموعة وإن وسمت بالكاملة، إلا أن ما ينقصها هي مذكرات عبدالله الطائي في أرشيف مكتبة المؤلف ، وقد أخرج بعضا منها الدكتور محسن الكندي في كتابه "عبدالله الطائي : حياة ووثائق" وإنّ أبناء المؤلف يعدون محبي أدب عبدالله الطائي.

حول هذه الأعمال الأدبية كان للناشر كلمة خصها ليسجل حضوره الثقافي عندما يقول: ليست مجرد أعمال كاملة بل هي تاريخ بلد منذ أولى خطوات الضوء ، منذ لثغة الطفولة على هضاب عُمان، وارتجاف قلب الأم في صحرائها، حين خرج عبدالله الطائي لا يملك إلا سنواته الأولى ليحفر في قلب صخرة عُمان الأبدية رائحة تاريخ أجداده الذين أصروا دائما على صناعة التاريخ.
وأضاف الناشر بقوله: لم يفكر عبدالله الطائي حين راح يؤسس للمشهد الثقافي لببلاده وعظمتها وكيف يمكن لأبنائها أن يليقوا بها، في الوقت الذي كان المستعمر يحاول اجتثاث كل ضوء حقيقي في هذه البلاد، بإصراره وبإصرار من أمنوا ،نحن نشهد اليوم قدرة متقدمة لشبابنا، على رسم المستقبل والتواصل مع العالم ليقولوا كان لنا ما نفخر ونعتز به، فلم تمنع الصحراء ولا انقطاع سبل التواصل مبدعونا من الإبداع والحفر الحقيقي المشتبك مع الواقع وصياغة طريق الضوء لنا، وها نحن نحمل الراية على هدي ما أضاءوا لنا من طرق، وأكد في سياق حديثه: هذه الأعمال الكاملة ليست مجرد كتب، أنها من لحم ودم وحياة وأحلام وعظمة بلاد تعتز بأبنائها وأبناء يعتزون ببلادهم، إنها إحدى اللبنات الرئيسية التي أسست للمشهد الثقافي والإنساني الحقيقي في منطقة الخليج العربي.
ويقترب الناشر أكثر برؤيته حيث السرد وتفاصيله ويقول: لم ينشغل عبدالله الطائي بما كتب في القصة أو الشعر أو الرواية فقط، بل تعدى ذلك إلى كتابة تاريخ عمان، ورصد الأدب المعاصر في الخليج العربي، وغير ذلك الكثير ، ربما ليقول لنا إن الإبداع هو أن نكون شموليين في الحرص على تاريخ بلادنا وكتابنا لأنهم رايتنا الخالدة.
كما يؤكد أن العظماء هم من يؤسسون الطريق للقادمين ويحفرون عظم اللحظة ليرسموا ملامح مستقبل أمة ويؤثروا في حساسيتها الإبداعية قبل كل شيء، وعبدالله الطائي والذي يعتبر بحق من أهم من أسسوا للمشهد الثقافي العماني من خلال كتابته في القصة والرواية والمقالة والشعر، ومن أهم من أعادوا كتابة التاريخ العماني، وقبل هذا كله كان السياسي المؤثر والفاعل والمثقف المشتبك بواقعه، الحامل لرؤى تتطلع إلى المستقبل خاصة وهو ابن مرحلة سياسية حافلة بالمتغيرات.
وعن فكرة هذه الأعمال يقول الناشر: فكرة هذه الأعمال والتي ربما حاول البعض الاشتغال عليها بطريقة أو بأخرى، والتي تابعتها مع الدكتورة عزيزة الطائي ابنة الكاتب التي لم تدخر جهدا في المتابعة ولابد من ذكر الجهود التي قام بها أبناء الكاتب في جمع هذه المواد والتي يسجل لابنه المهندس والكاتب الراحل مازن بن عبد الله الطائي،شرف توليه بجهد وعناء مشقة الأشراف على طباعة أعمال والده إصداراً بعد الآخر.
وأضاف ايضا: لم يدخر أي من أبناء الراحل وزوجته جهداً في المتابعة والعمل على تجميع وتفريغ كل ما خص الكاتب من مقالات ومقابلات وكتب فكانوا خير حفظة لميراث هذا المبدع العظيم الذي ظل يعمل طوال الوقت من أجل كل ما أمن به من خير لبلاده وللإنسانية جمعاء.
وفي ختام كلمته يقول : وأخيراً يشاء الله لهذه الجواهر أن ترى النور في قالبها الذي نحاول من خلاله أن نقول لهذا المبدع العظيم أن ثمة من يهتم بالقامات العالية التي لا تنحني إلا لله، والتي تحفر صخرة التاريخ لتكتب اسم بلادها عاليا، وأنه لشرف عظيم لفضاءات أن تحمل هذه الراية في نشر الأعمال الكاملة التي نأمل أن تليق بهذه القامة العظيمة.