[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author] المتتبع لتطور العلاقات العمانية الإيرانية، سوف يلاحظ وبسهولة أنها وصلت الآن إلى مستوى الثقة السياسية الكاملة بين البلدين، وقد لمسنا من زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الأخيرة لبلادنا ما يجعلنا نستقرئ تلك النتيجة من نتائجها المعلنة والمخطط لها في المدى المنظور، فالأجندة الاقتصادية الايرانية الكبيرة في بلادنا لن يتم تحقيقها الا بعد توفر تلك الثقة، وما زيارة روحاني الا مؤشر على تدشين تلك المرحلة المتطورة جدا بين البلدين بعد أن قطعا فيها مستوى أكبر واعمق من الثقة المتبادلة طوال العقود الماضية، وقد انضجتها الآن الازمات التي عرفتها المنطقة، تأكدت من خلالها طهران ومعها العالم كله ثبات السياسة الخارجية العمانية، واقتنعوا كذلك بعدم تقلباتها الظرفية مهما كانت التحديات والإكراهات.وتلكم النتيجة،، الثقة السياسية الكاملة،، سوف يكون لها نتائج سياسية واقتصادية تتجاوز الثنائية العمانية الإيرانية إلى الإقليمية والعالمية معا،، ومع ترحيبنا بالعلاقة العمانية الإيرانية الجديدة، الا أن هناك مجموعة تساؤلات تفرض نفسها في الطرح الآن، مثل، هل تحررت بلادنا من سياستها المحافظة من مسألة الانفتاح الإقليمي الشامل وبالذات المجاور المؤطر،، إيديولوجيا؟ وهل تتوفر لديها ضمانات مؤكدة من عدم تسييس المصالح الاقتصادية أو اصطباغها بالايديولوجيا المذهبية العابرة للحدود؟ وهل نتطلع من السلطنة أن توظف علاقتها الجديدة بطهران إلى قيادة مرحلة جديدة بعيدة عن صراع الأيديولوجيات وطغيان الزعامة الإقليمية؟ وهل وصلت الدول الإقليمية الكبرى إلى قناعة عدم تصدير أيديولوجيتها في ظل انفتاح التعاون الإقليمي؟ تساؤلات لا يمكن تجاوزها ولا القفز فوقها رغم ترحيبنا وإشادتنا بالثقة الكاملة في العلاقات بين البلدين، لكن تظل تلك الهواجس مشروعة جدا، ولا تقتصر هنا على دولة معينة، وإنما كل دولة مجاورة لبلادنا، ما عدا ذلك، فإن الانفتاح ينبغي أن يكون في النطاق الاقتصادي، وحتى في ظل هذا النوع من الانفتاح، فلن نضمن التأثير، لكن لا بد أن ندفع القليل من الثمن مقابل أن نتقدم الى الأمام، وقد يكون محدودا جدا إذا ما رافق الانفتاح احترازات معينة، أما الانفتاح البري، فسيكون تأثيره أكبر وأعمق، لأنه سوف يمس الشرائح الاجتماعية المختلفة بسبب سهولة الاتصال والتواصل وانسيابها، وإذا ما نظرنا لتأثير الثقة الكاملة على الإقليم الخليجي، وكما قلنا في لقاءاتنا التلفزيونية والإذاعية المباشرة كقناة،، الميادين،، وإذاعة البحر المتوسط أثناء زيارة روحاني للبلاد، إن تطور العلاقات العمانية الإيرانية بإمكانها أن تكون بمثابة صمام أمان للأمن والاستقرار في الخليج، وقد يخرج منها مفهوم جديد للأمن الإقليمي لو انفتحت العلاقة العمانية الإيرانية على محيطها الجغرافي، لذلك طالبنا بضرورة النظر بإيجابية كبيرة لزيارة روحاني ولظرفية الإعلان عن تطور العلاقات العمانية الإيرانية دون الإغراق في اقترانها بأحداث خطيرة يشهدها الخليج، فبلادنا كما نفهم جوهر سياستها الخارجية لا يمكن أن توظف علاقتها مع طهران ضد الأشقاء ولا الأصدقاء وإنما لصالحهم، وبلادنا لا تتبنى سياسة الانتقام في وقت القوة المنفردة، فهى مع ديمومة الاستقرار حتى في ظل قوة الخلافات، فمن يفتح نافذة على تاريخها الحديث ببعديه الداخلي والخارجي، فسوف يلاحظ نهج التسامح سائدا وليس الانتقام، فسياستها دائما تصنع الأصدقاء وليس الأعداء .. من هنا ننظر لنتائج وصول مسقط وطهران إلى مستوى الثقة السياسية الكاملة بأنها ستكون في صالح البلدين أولا ودول المنطقة والعالم ثانيا، وسوف نؤجل رؤيتنا للنتائج الإقليمية السياسية لمقال مقبل، فالذي يعنينا اليوم، هي النتائج الثنائية وحجم استفادة بلادنا منها، خاصة وأننا كنا قد طالبنا في مقالات سابقة بضرورة استفادة بلادنا (الاقتصادية) من علاقاتها السياسية المتطورة مع طهران، فما حجم هذه الاستفادة في ضوء متابعتنا لنتائج زيارة روحاني والمواقف الإيرانية المعلنة قبل وأثناء الزيارة؟ وجدنا أن هناك توجهات اقتصادية إيرانية كبيرة وغير مسبوقة نحو بلادنا للاستفادة من موقعها الجيوسياسي، والجيواستراتيجي، والجيواقتصادي، فالتوجهات تشير بكل وضوح وبكل بقوة إلى تحويل ميناء الدقم إلى مركز عالمي،، لتجارة الترانزيت ،، بين آسيا ودول البلطيق، واللافت فيها، سعي طهران إلى إقامة (100) خزان لبيع نفطها وغازها من الدقم، وسوف تستثمر فيها (4) مليارات دولار أميركي، واللافت فيها كذلك، طموح طهران القوي إلى إقامة جسر بحري يربطها بالسلطنة عن مضيق هرمز، وهي مستعد لتحمل تكاليفه بالكامل، واللافت فيها كذلك، توجهها القوي إلى استكمال مد أنبوب الغاز إلى الأراضي العمانية خلال السنتين المقبلتين وأنبوب مماثل بين السلطنة والهند وإيران، واللافت فيها كذلك، استعدادها لفتح فروع لجامعتها المفتوحة في مجال العلوم التقنية، واللافت فيها كذلك استعدادها لنقل تكنولوجيتها النووية في مجالي الطاقة والزراعة إلى بلادنا، واللافت فيها زيادة عدد الرحالات الجوية بين البلدين إلى (30) رحلة أسبوعيًّا، هذه ابرز نتائج الثقة الكاملة التي وصلت لها العلاقات العمانية الإيرانية، وهي نتائج تؤسس لعلاقة استراتيجية طويلة المدى قائمة على أرضية الثقة السياسية الكاملة والمنافع المشتركة في رؤية اقتصادية تشمل بالإضافة إلى السلطنة وإيران وقطر وأوزباكستان وتركمانستان تحت مظلة مؤسساتية تسمى اتفاقية عشق آباد التي أنشأت محورا دوليا للنقل و(العبور) المنظم للبضائع والركاب بين دول آسيا الوسطى وموانئ الخليج وبحر عمان، وتصدير واستيراد البضائع عبر هذا المحور.وهذه كبرى المتغيرات الإقليمية تقودها الآن مسقط وطهران، وبعضها يتطلب،، كشرط،، الاستقرار الأمني في الخليج وعلاقات طيبة بين أنظمته، من هنا، نرى أن للسلطنة دورا إقليميا قريبا، ونراهن على نجاحه، لماذا؟ لأن الأوضاع في الخليج قد وصلت إلى مستوى مرتفع من الاحتقان القابل للانفجار في ضوء التهديد المبطن بفرض حصار بحري وجوي وبري على الدوحة، وهذا تصعيد بعيد عن الواقع والمنطق، فكيف يتم التفكير فيه،، لمجرد التفكير فقط،، وهناك مصالح عالمية كبرى سوف تتضرر منه؟ وهناك عدة اعتبارات موضوعية أخرى تجعلنا نرجح الدور العماني المرتقب في الخليج سنتناوله في مقالنا المقبل، وهذا دور قبل أن يكون سياسيًّا هو شعبيا كذلك، ولن نجد هناك عمانيا إلا ويطالب الآن الحكومة بالقيام بهذا الدور استغلال لمهنية احترافها في الوسطات المختلفة، ولأن المصلحة الخليجية العليا تحتم ذلك، ولأنها الآن مؤهلة،، حصريا،، لقيادة المرحلة الخليجية الراهنة نحو تفاهمات جديدة تستوعب الكل، لكن، ومهما كانت درجة تقاربنا واقترابنا مع الجارة إيران، فينبغي أن يكون هناك فاصل،، بين الجانبين، لا يمكن تحطيمه مهما طغت لغة المصالح الثنائية، ومهما كانت حاجتنا لها، فالفاصل ضروري ولا يجب إسقاطه، فإسقاطه الآن سيفتح بلادنا لدخول أفكار مصاحبة مع دخول الأموال، ولنتريث قليلا في التواصل البري المفتوح حتى يتوصل الخليج إلى تفاهمات سياسية ملزمة، بحيادية الايديولوجيا الدينية والفكرية وعدم تدخلها القسري داخل الجغرافيات الخليجية، فذلك أهم الضمانات لديمومة الأمن والاستقرار في الخليج، ومنها سيكتب تاريخ جديد في الخليج.