يقول إيليا أبو ماضي في قصيدته (لم يبق إلا الكأس):
لم يبق ما يسليك غير الكأس
فاشرب، ودع للناس ما للناس
فكّرت في ما نحن فيه كأمّة
وضربت أخماسي إلى أسداسي
نجد عجز البيت الثاني قد انضوى على مثل عربي وهو (ضرب أخماساً لأسداس)، فالخِمْس والسِّدس: من أظماء الإبل، أي أنها بعد رعيها ترد الماء في اليوم الخامس أو السادس، وأنشد ابن الأعرابي لرجل من طيء:

الله يـعلـم لولا أنني فـرق
من الأميـر لعاتبت ابن نبراس
في مـوعـدٍ قـاله لي ثم أخلفه
غداً غداً ضرب أخماس لأسداس
حتى إذا نحن ألـجـانا مواعده
إلى الـطبيعة في حفز وإبساس
أجلت مخيلته عن لا فقـلت له
لو ما بدأت بها ما كان من باس
وليس يرجع في لا بعدما سلفت
مـنه نعم طائعـاً حرٌّ من الناس

والأصل فيه أن الرجل إذا أراد سفراً بعيداً عوَّد إبله أن تشرب خِمْساً ثم سِدْساً حتى إذا أخذت في السير صبرت عن الماء. وضَرَب بمعنى بيَّن وأظهر كقوله تعالى: ﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ الروم/28.
والمعنى الحرفي للمثل: أظهر أخماساً لأجل أسداس: أي رقَّى إبله من الخِمْس إلى السِّدْس، وهو يضرب لمن يظهر شيئاً ويريد غيره، وذلك بخلاف المتداول في حياتنا المعاصرة إذ يضرب المثل فيمن يعتريه الشك ويكثر التفكير.
وأصل المثل أن شيخاً كان في إبله ومعه أولاده يرعونها قد طالت غربتهم عن أهلهم، فقال لهم ذات يوم: ارعوا إبلكم رِبْعاً، فرعوا رِبْعاً نحو طريق أهلهم، فقالوا: لو رعيناها خِمْساً فزادوا يوماً جهة أهلهم، ثم قالوا: لو رعيناه سِدْساً، ففطن الشيخ لما يريدون، فقال: ما أنتم إلا ضرب أخماس لأسداس، ما همَّتُكم رعيُها وإنما همَّتكم أهلكم، وأنشأ يقول:
وذلك ضربَ أخماسٍ أُراهُ
لأسداسٍ عسى ألا تكونا.
قال الجوهري: قولهم فلان يضرب أخماساً لأسداس، أي: يسعى في المكر والخديعة وأصله من إظماء الإبل، ثم ضرب مثلاً للذي يراوغ صاحبه ويريه أنه يطيعه.

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]