جاء في الحديث الشريف عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)، رواه الإمام مسلم انظر إلى كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) وتأمل (وعليكم بالصدق) أي: ألزموا الصدق وهو الإخبار على وفق ما في الواقع (فإن الصدق يهدي إلى البر) أي: أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم، والبر اسم جامع للخير كله (وإن الرجل ليصدق) أي في قوله وفعله (حتى يكتب عندالله صديقاً) أي: مبالغاً في الصدق المراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة فيه ففي القاموس (الصدّيق من يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق).وعلى هذا فإن الصدق هو مطابقة الخبر للواقع وهو مطلوب من كل مسلم رجلاً كان أو امرأة وقد أثنى الله تعالى على نفسه حينما ذكر الناس بيوم الجمع قائلا:(الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق الله حديثاً) (النساء ـ 87)، ولعظيم أجر الصادق ومنزلة ومكانة الصدق فإن الله تعالى جعل أجر الصادق مثل أجر الشهيد وإن مات على فراشه قال تعالى:(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) (الحديد ـ 19).وقد اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم والشهداء عند ربهم منفصل عن الذي قبله وقد انتهى الكلام عند (هم الصديقون) وابتدأ الكلام بقوله:(والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) وقال آخرون بل قوله:(والشهداء) من صفة الذين آمنوا بالله ورسله ونهاية الكلام عن الذين آمنوا عند قوله:(والشهداء عند ربهم) ثم ابتدئ الخبر عما لهم فقال تعالى:(لهم أجرهم ونورهم) والدليل على هذا ما جاء في الحديث الشريف عن البراء بن عازب قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(مؤمنو أمتي شهداء) قال ثم تلا النبي (صلى الله عليه وسلم):(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم) إن الصادق في أقواله يترتب على صدقه هذا صلاح أعماله في الدنيا ومغفرة ذنوبه والسعادة الأبدية بالجنة في الآخرة قال تعالى في سورة الأحزاب آية (70 و71):(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً). وجاء في تفسير الحجة الحافظ ابن كثير رحمه الله يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه وأن يقولوا قولاً سديداً أي: مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا انحراف ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم أي يوفقهم للأعمال الصالحة وأن يغفر لهم الذنوب الماضية وما قد يقع منهم في المستقبل بأن يلهمهم التوبة منها، وإن الصادق في نياته وإرادته يكون ثمرة صدقه أن يصدق الله تعالى معه.وقد جاءت السنة النبوة المطهرة بأمثلة كثيرة لمن صدق مع الله تعالى بإرادته ونيته فهذا سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يؤم الناس فيطيل عليهم فاشتكى أحدهم إلى رسول الله ذلك ووصفه بالنفاق فقال معاذ لما حضر عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أني والله لئن لقيت العدو لأصدقن الله فلقي العدو فاستشهد فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):(صدق الله فصدقه الله). ومن أمثلة الصادقين أيضا هذا الأعرابي الذي حضر مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غزوة من الغزوات وهو حريص على الشهادة صادق في النية وانتصر المسلمون في هذه الغزوة وأصابوا مغانم كثيرة قسمها رسول الله صلى الله عليه وأعطى كل مجاهد نصيبه فلما أعطى الأعرابي نصيبه قال يا رسول الله ما اتبعتك على هذا ولكن اتبعتك على أن أرمى بسهم ها هنا وأشار إلى عنقه ثم حضر غزوة ثانية مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد أصيب بسهم في عنقه في الموضع الذي أشار إليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن الأعرابي صدق مع الله فصدقه الله).وقد أثنى الله تعالى في هذه الآية الكريمة على شهداء أحد فقال عز من قائل سبحانه:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) (الأحزاب 23 ـ 24) هؤلاء الصحابة الذين عاهدوا الله تعالى على أن يثبتوا في أرض المعركة مع النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى الشهادة فلما قربت المعركة على النصر للمسلمين خالف الرماة أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) ونزلوا من على الجبل ظنا منهم أن المعركة قد انتهت وانتصر المسلمون وانشغل الرماة بجمع الغنائم وصعد الأعداء الجبل وأخذوا موقع الرماة حتى أن النصر كان سيتحول إليهم لكن بثبات الصادقين في عهدهم ووفائهم بالعهد الذي أخذوه على أنفسهم وبدفاعهم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عاد النصر للمسلمين. وهذا النوع من الصدق هو من أعظم أنواع الصدق... هذا والله تعالى أعلى وأعلم.أنس فرج محمد فرج