[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/09/sayed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]السيد عبد العليم[/author]تم مؤخرا الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وحال اللغة يرتبط بحال البلدان الناطقة بها. فكلما قويت تلك البلدان صار للغة وضع قوي والعكس، وكلما تم الاهتمام باللغة كلما تم تعزيز هويتنا وثقافتنا العربية فكم عز اقوام بعز لغات. وفي الحقيقة فاننا بحاجة الى تسليط الضوء على اللغة العربية من خلال استحضار مشاهد الادب العربي بشعره ونثره وادخاله الى واقعنا المعاش من خلال العمل على ادخال ذلك في الدراسة وفي الاعلام بشكل عصري، بحيث يكون مشوقا ويحظى بالاهتمام وذلك بعمل مسلسلات واعمال فنية لمواقف وشخصيات من تراثنا العربي وخاصة الفكاهية منها حتى تكون محل جذب ولاسيما في هذا الوقت الذي صار يغطي فيه شاشات الفضائيات اخبار القتل والتدمير في اغلب بلداننا العربية وصارت اغلب الاخبار والبرامج الحوارية الاخبارية التي تغطي الشاشات في اغلبها محزنة وكئيبة. ونادرا ما نسمع او نشاهد اخبارا مفرحة. كما ان الاعمال الفنية المنتشرة بها الكثير من الاسفاف. فلماذا لا يتم القيام باعمال فنية مصورة مثل البرامج الاذاعية التي كنا نستمع اليها قبل عقود من قبيل" قطوف الأدب من كلام العرب" على الاذاعة المصرية وغيرها حيث كان فيها الفكاهة والتشويق والتعليم والتثقيف والحفاظ على اللغة والادب والهوية العربية الاصيلة. ونقدم هنا مثالا بقصيدة صوت صفير البلبل للأصمعي.فقد نظم الاصمعي هذه القصيدة متحديا بها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بعد أن ضيق على الشعراء، حيث كان الخليفة يحفظ القصيدة من أول مرة يسمعها فيها ويدعي بأنه سمعها من قبل. فبعد أن ينتهي الشاعر من قول القصيدة يقوم الخليفة بسرد القصيدة إليه وكان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرتين فكان يأتي به ليسردها بعد أن يقولها الشاعر بعدما يسردها الخليفة. كما كان لديه جارية تحفظ القصيدة من المرة الثالثة فيأتي بها لتسردها بعد الغلام ليؤكد للشاعر بأن القصيدة قد قيلت من قبل وهي في الواقع من تأليفه. وكان يعمل هذا مع كل الشعراء. فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط خاصة أن الخليفة كان قد وضع مكافأة للقصيدة التي لا يستطيع سردها وزن ما كتبت عليه ذهبا. فسمع الأصمعي بذلك. فتنكر وأعد قصيدة منوعة الكلمات وغريبة المعاني ودخل على الأمير وقال: إن لدي قصيدة أود أن ألقيها عليك ولا أعتقد أنك سمعتها من قبل. فقال له الأمير هات ما عندك، فألقى عليه قصيدة صوت صفير البلبل التي تقول:صـوت صفير الـبلبـلي هيج قلبي الثمليالمـاء والزهر معا مع زهرِ لحظِ المٌقَليو أنت يا سيدَ لي وسيدي ومولي ليفكم فكم تيمني غُزَيلٌ عقيقَليقطَّفتَه من وجنَةٍ من لثم ورد الخجليفـقال لا لا لا لا لا وقد غدا مهروليوالخُـوذ مالت طربا من فعل هذا الرجليفولولت وولولت ولـي ولي يا ويل ليفقلت لا تولولي وبيني اللؤلؤ ليقالت له حين كـذا انهض وجد بالنقليوفتية سقونني قهوة كالعسل ليشممـتها بأنافي أزكـى من القرنفليفي وسط بستان حلي بالزهر والسـرور ليوالعود دندن دنا لي والطبل طبطب طب لـيطب طبطب طب طبطب طب طبطب طبطب طب ليوالسقف سق سق سق لي والرقص قد طاب ليشـوى شـوى وشاهش على ورق سفرجليوغرد القمري يصـيح ملل فـي ملليولو تراني راكبا على حمار اهزلييمشي على ثلاثة كمـشية العرنجليوالناس ترجم جملي في السوق بالقلقلليوالكل كعكع كعِكَع خلفي ومن حويلليلكـن مشيت هاربا من خشية العقنقليإلى لقاء مـلك مـعظم مبجلييأمر لي بخـلعة حمراء كالدم دملياجـر فيها ماشيا مبغددا للذيليانا الأديب الألمعي من حي ارض الموصلينظمت قطعا زخرفت يعجز عنها الأدب ليأقول في مطلعها صوت صفير البلبليوبعد انتهائه من إلقاء هذه القصيدة، لم يستطع الخليفة ان يذكر شيئا منها. ثم أحضر غلامه فلم يتذكر شيئا ايضا لأنه يحفظها من مرتين ثم احضر الجارية فهي الأخرى لم تتذكر شيئا. فقال له الخليفة سوف اعطيك وزن لوح الكتابة ذهب فعلي اي شيء كتبتها، فقال له الأصمعي: لقد ورثت عمود رخام من ابي فنقشتها عليه نقشا وهذا العمود على جملي في الخارج يحمله أربعة من الجنود. فأحضروه فوزن الصندوق كله. فقال الوزير: يا أمير المؤمنين ما أظنه إلا الأصمعي. فقال الأمير: أمط لثامك يا أعرابي. فأزال الأعرابي لثامه فإذا به الأصمعي. فقال الأمير: أتفعل ذلك بأمير المؤمنين يا أصمعي؟! قال: يا أمير المؤمنين قد قطعت رزق الشعراء بفعلك هذا. قال الأمير: أعد المال يا أصمعي. قال: لا أعيده. قال الأمير: أعده. قال الأصمعي: بشرط. قال الأمير: فما هو؟ قال: أن تعطي الشعراء على نقلهم ومقولهم. قال الأمير: لك ما تريد.وللعلم فهذا الموقف بين الاصمعي والخليفة أبو جعفر المنصور وهذه القصيدة، تم تمثيلها ضمن حلقات، لكن السؤال هو أين مثل هذه الاعمال على فضائياتنا؟ ولماذا لا يتم اذاعتها مرات ومرات؟ ثم اين غيرها من الاعمال الفنية التي تجسد مثل هذه الامور؟ لقد انتجت الولايات المتحدة مئات الأفلام عن الحرب العالمية والبطولات التي قام بها الجنود الاميركيون وان كانت في اغلبها من نسج الخيال، لكن استخدام الفكرة واستغلال التقنيات الحديثة يجعل العمل الفني حتى لو كانت فكرته ليست قوية، يجعله عملا قويا جذابا.ان تراثنا العربي مليء بالبطولات والمواقف الخالدة فضلا عن المواقف والحكايات الفكاهية المسلية والشيقة والمفيدة مثل اشعب وبنان وحكاية الجاحظ عن البخلاء وجحا ومواقفه والهجاء كما كان بين الفرزدق وجرير وغير ذلك من الكنوز التي يمكن تقديمها باسلوب سهل في المدارس، بل وفي الصحف سيما في صفحات الثقاقة، وفي اعمال فنية فكاهية بشكل بسيط ومعبر وخال من التعقيدات، مما يجذب اليها قطاعا عريضا من الناس، فيعرفوا تاريخهم وثقافتهم ولغتهم مما يقوي هويتهم ويزيد من تمسكهم بها بعد هذا الانفصال الطويل عن هذا الارث الثقافي العظيم. اننا بحاجة الى اعادة استحضار تراثنا العربي الاصيل في اعمالنا الفنية، بدلا من المسلسلات والافلام المبتذلة في كثير منها والتي لا تقدم فكرا بل ولا فنا ومع ذلك يتم اعادتها وتكرارها.