إن أهمية دراسة الملابس في أي بلد ودراسة تطورها من الأهمية بمكان لمعرفة التطور الاجتماعي في ذلك البلد، ومدى تفاعل المجتمع الثقافي والاقتصادي مع غيره من شعوب العالم، ومدى انفتاح السكان على غيرهم من الشعوب ومدى تقبلهم لكل ما هو جديد ومتطور، كما يعكس ارتفاع المستوى المعيشي والمستوى الثقافي للفرد.
تفاعل العمانيون مع غيرهم من الشعوب والحضارات بحكم توجههم التجاري البحري الذي فرضه عليهم واقعهم الجغرافي، وانعكس هذا التفاعل على حياتهم الثقافية والاجتماعية، حيث عُرف عن العماني تقبله للآخر، وعدم اصطدامه مع غيره من الشعوب والحضارات بل تفاعل معهم، وأخذ عنهم كل ما هو ملائم لتطوير أسلوب حياته ونمط معيشته. ومما أخذه العماني عن غيره من الشعوب طريقة اللباس وكيفية صناعته، حيث استفاد من غيره من الشعوب وأدخل على ملابسه الكثير من التغير والتعديل بما يتماشى مع دينه الإسلامي وبيئته وثقافة مجتمعه.
وفي هذا البحث سيتم التركيز على مدينة نزوى بين القرنين(2هـ / 8م – 10هـ/16م)، ودراسة مدى التطور والتنوع الذي شهده اللباس النزوي، وأدوات الزينة التي استخدمها أفراد المجتمع. وجاء اختيار هذه الفترة الزمنية كون نزوى كانت خلالها عاصمة لعمان، فمنها أدار الأئمة عمان ووجهوا رسائلهم وتعليماتهم إلى ولاتهم في كافة المناطق التابعة لحكمهم. ففي عام 177هـ/ 793م قرر عدد من علماء عمان وعلى رأسهم موسى بن أبي جابر وبشير بن المنذر النزوي ضرورة إحياء نظام الإمامة في عمان، وبعد التشاور والتباحث فيما بينهم تقرر أن تكون نزوى عاصمة للإمامة وذلك للأسباب التالية:
* ازدهار مدينة نزوى من الناحية الثقافية والاقتصادية، حيث كانت نزوى في تلك الفترة قد أخذت في التوسع العمراني والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وأضحت وجهة سكنية للكثير من الناس، مما لفت نظر العلماء إليها، ومن وجهة نظر الباحثة أن هذا أحد الأسباب المهمة التي دعت علماء الإمامة الثانية إلى نقل العاصمة إلى نزوى.
* كانت عاصمة الإمامة الأولى ( 132هـ/ 748م – 134هـ/ 751م) مدينة صحار الساحلية، والتي كثيرا ما كانت تتعرض للهجمات المختلفة بحكم سهولة الوصول إليها1. كما أن سرعة سقوط الإمامة الأولى وعدم استمرارها لفترة طويلة عامل مساهم في نقل العاصمة إلى مدينة أخرى.

* في المقابل تميز موقع نزوى الواقع في داخلية عمان، عدا كونها محاطة بالجبال مما زادها منعة وحصانة2.
* كان كبار العلماء ومن قامت على عاتقهم الإمامة الثانية أغلبهم من الجوف ومن المدن القريبة من نزوى3.
* توفر المياه ، فأرض نزوى عبارة عن خزان مائي، وهذا واضح من خلال عدد الكبير للعيون والأفلاج فيها، مما يعني سهولة الدفاع عنها في حالة تعرضها لأي حصار.
وبالإضافة إلى سكان نزوى الأصليين، فلقد نزح إليها خلال فترة الدراسة العديد من العائلات، والتي هاجرت من مدن عمانية أخرى ليستقر في نزوى وتنعم بالميزات التي توفرها العاصمة دون غيرها من المدن، فشهدت نزوى في هذه الفترة ازدهارا ثقافيا واقتصاديا وتنوعا سكانيا.
اعتمد هذا البحث على دراسة ثلاثة محاور رئيسية وهي:
أولا: الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في اللباس.
ثانيا: الأزياء في مجتمع نزوى ( 2هـ / 8م- 10هـ/ 16م).
ثالثا : أدوات الزينة في المجتمع النزوي ( 2هـ/ 8م – 10هـ/ 16م).
ولكن كون البحث يركز على مدينة نزوى فسيتم التركيز على الإنسان النزوي والإشارة إليه خاصة دون غيره.
أولا: الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في اللباس
من خلال دراسة المصادر يمكن استنتاج عدد من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في اختيار الملابس أو ارتدائها، وهذه الشروط يمكن إجمالها على النحو التالي :
1- الستر: أن يكون اللباس مغطيا لعورة الرجل التي تمتد من السرة إلى الركبة، وبالرغم من أن العلماء اختلفوا في كون السرة والركبة من ضمن عورة الرجل أم ما يقع بينهما فقط، إلا أن الإنسان النزوي الحريص على دينه عمل على أن ستر نفسه ولا يكشف المنطقة الممتدة من السرة إلى الركبة، كما حرص ألا يكون اللباس شفافا أو ضيقا، وإذا كان شفافا كالقميص إلي يلبس في فصل الصيف وجب أن يرتدي تحته ما يستره كالإزار على أن لا يكون الإزار شفافا. أما بالنسبة للمرأة فلقد أمرها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بضرورة أن تستر كافة جسدها ما عدا الوجه والكفين. فحرصت المرأة النزوانية على أن تستر جسدها ولا تلبس اللباس الشفاف أو الضيق4.
2- النظافة: يشترط في اللباس أن يكون نظيفا وخاليا مما قد ينجسه، ويأتي هذا الشرط كون النظافة وطهارة الثوب هي أحد الشروط الهامة في تمام صلاة المسلم5، ولقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بنظافة البدن والثوب طوال اليوم وأن يحرص المسلم على أن لا يلاقي أهل بيته أو مجتمعه إلا وهو نظيفا وطاهرا، ومن الأمثلة على ذلك ما لمسناه من أحد علماء عمان في القرن الثالث الهجري وهو أبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي الذي كان من الحاضرين بيعة الإمام الصلت بن مالك الخروصي ( 237هـ / 851م- 272هـ / 885م ) وفي أثناء مراسم بيعة الصلت لاحظ أبو المؤثر أن بثوبه دما وكان بالمسجد لمبايعة الإمام الصلت بن مالك الخروصي ففضل الخروج من المسجد وغسل ثوبه حتى يحضر مراسم البيعة هو بكامل نظافته، وحين رجع إلى المسجد وجد أن مراسم البيعة قد انتهت فعاتبه كبير علماء عمان في تلك الفترة محمد بن محبوب عن خروجه المفاجئ من الجامع أثناء البيعة، فأخبره أبو المؤثر عن سبب خروجه فعذره واقتنع بحجته6.وهذه الحادثة تدل دلالة واضحة على حرص العماني على هندامه ونظافته التي تعكس شخصيته أمام مجتمعه.
3- خلو الثوب من أي صورة لإنسان أو حيوان7: سواء أكانت الصورة رسما في الثوب أو نسجت معه، مع إمكانية أن يضم الثوب رسومات لنباتات أو أجزاء من النبات كالأغصان، أو أوراق الأشجار، أو الزهور8. وبالرغم من أن هذا الشرط اختصت به الصلاة حيث لا يجوز الصلاة بالملابس التي تحمل صور لحيوان أو إنسان، إلا أن العماني حرص أن يكون ثوبه في جميع أوقات يومه خاليا من أي رسومات لحيوان أو إنسان.
4- عدم التشبه بملابس أتباع الأديان الأخرى9: حتى تكون للمسلم هويته الخاصة به والتي تميزه عن غيره من أتباع الأديان الأخرى، ومثال على ذلك كرّه الفقهاء خلال فترة الدراسة أن يلبس المسلم أو المسلمة الطيلسان10 وهو عبارة عن شال أخضر يلبسه اليهود، فأفتى الفقهاء بعدم جواز ارتدائه منعا من التشبه باليهود .
4- البياض: بالرغم من أن تعاليم الإسلام لم تفرض فرضا اللون الأبيض على الرجال على وجه الخصوص، إلا أن الرجل العماني حرص على ارتداء اللون الأبيض لسببن: اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي حث على ارتداء اللون الأبيض، وثانيا طبيعة الجو التي فرضت اللون الأبيض نظرا لمناسبة هذا اللون مع ارتفاع درجة الحرارة.
5- طول اللباس: في حين لبس الرجل النزوي اللباس الطويل، إلا أنه حرص على ألا أن يصل اللباس إلى القدم، بحيث أن أقصى طول اللباس يصل إلى أعلى الكاحل بقليل، بينما المرأة فلقد كان لباسها طويلا يصل إلى الأرض.
6- ألا يقصد من اللباس الكبر والخيلاء والاستعلاء على الآخرين11: فالإسلام استنكر وبشدة الاستعلاء على الآخرين، روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ينظر الله يوم القيامة إلى رجل يجر ثوبه خيلاء".
7- ألا يتشبه الرجل في لباسه بالمرأة كما لا تتشبه المرأة في لباسها بالرجل: حيث لا يجوز للرجل أن يلبس الحرير12، أو أن يلبس ملابس تشبه ملابس المرأة، كما لا يحق للمرأة أن تلبس ملابس الرجال، بحيث يكون لكل جنس ملابسه التي تتناسب وخصوصيته وطبيعته النفسية والجسدية.

ثانيا: الأزياء في مجتمع نزوى ( 2هـ / 8م- 10هـ/ 16م)

لباس الرجل
- العمامة وكانت تلف على الرأس ويترك جزء منها ليلف حول الرقبة ليصل إلى الكتف الأيسر، كما لبس الرجل النزواني الكمة التي كانت تلبس فوق الرأس 13.
- لبس الرجل في مدينة نزوى قميص، ويأتي هذا القميص بشكلين إما قميص قصير أو قميص طويل يصل إلي القدم – الذي يسمى حاليا الدشداشة – وبهذا القميص أزار عند الرقبة، كما لبس الجبة14 وهي عبارة عن ثوب واسع الكمين مفتوح من الأمام ويلبس فوق الملابس.
- أما الإزار وهو عبارة عن قطعة قماش تصنع من القطن يلفها الرجل في وسطه وتصل إلى ما دون الركبة ولكنها لا تتجاوز الكاحلين ، ولقد استثنى العلماء إن كان الغرض من ارتداء الإزار الطويل الذي يصل ما دون الكعبين اتقاء البرد أو البعوض15.
- وفي القرن العاشر الهجري حدث تطور في ملابس الرجل، إضافة إلى الملابس السابقة الذكر دخلت بعض الملابس القادمة من المجتمعات الأخرى، وأخذ الرجل النزوي في استخدامها مثل:
- الرداء وهو الآخر عبارة عن قطعة كبيرة وقد تكون متوسطة أيضا وتصنع من القطن أو الكتان وتلف حول الجسم وقد تستخدم في فصل الشتاء أيضا.
-القَبَاءُ16: وهو عبارة عن ثوب مفتوح من الوسط يلبس فوق الثياب .
-الَتَّبَان17 : عبارة عن سراويل قصيرة تصل إلى مادون الركبة بقليل.
ويبدو أن التَّبَان كان من الملابس التي يلبسها العمال والمزارعون حيث يلبس السروال القصير وعليه قميص، أو قميص وإزار يصل إلى ما دون الركبة؛ حتى تسهل عليه الحركة وأداء عمله بكل سهولة ويسر. وبمجرد ما إن ينتهي من عمله وينوي الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة، يحرص الرجل النزوي على الاغتسال وارتداء الإزار والقميص سواء أكان قصيرا أو طويلا، لأن المجتمع النزوي خلال فترة الدراسة لا يستحب أن يرتدي الرجل السروال، وإنما يفضل دائما ارتداء الإزار، ويرخص لبس السراويل في حالة العمل أو انعدم الإزار وتعذر الحصول عليه، وفي ذلك يقول الشقصي:" إن لم يكن له قميص فالرداء أولى من الإزار، وإن لم يكن له رداء فالإزار أولى من السراويل" 18.
أما القدم فلقد لبس الرجل الخُفُّ والنَعَّال19، وكان الخف يصنع من الجلد الرقيق وبسيطا ويكون في باطن القدم، وقد يضاف له حبال ليربط الخف ويلف حول القدم أو الكاحل. أما النعال فهو الحذاء ويصنع من الجلد ولكن يكون من جلد أسمك ويغطي أكثر القدم.
اللباس في فصل الشتاء
في فصل الصيف فضل الناس لبس القميص الخفيف المصنوع من القطن، أما في فصل الشتاء فكان يلبس القميص المصنوع من القطن ولكن أكثر سماكة من قميص الصيف، ويتوشح الرجال فوق القميص بوشاح مصنوع من الصوف وفي أحيان يتوشحون بأكثر من وشاح، أو يلبس قميص مصنوع من الصوف20، كما لبس بعضهم الجوارب21 اتقاء البرد.
لباس الأئمة
حرص الأئمة على أن يظهروا دائما بالمظهر الذي يتناسب مع وضعهم السياسي والاجتماعي ، فكانوا يلبسون الملابس البيضاء النظيفة، حيث يلبس الإمام الإزار والقميص الطويل ويكون لونه أبيض، أما الرأس فيغطى بالكمة ثم العمامة، وكانت هذه العمامة تتميز عن العمامة التي يرتديها عامة الناس أن بها فصا كبيرا، ويلبس الإمام في إصبع البنصر خاتما به فص، ويحمل معه سيفه الذي يحرص أن يحمله خلال عمله 22.
لباس المرأة
اعتنت المرأة بداخلية عمان على وجه العموم والمرأة النزوية على وجه الخصوص بجمالها وبهندامها وبتنوع ملابسها، فلقد ضمت خزانة المرأة قميصا وإزارا، ويتم الجمع بينهما عن طريق ربط نطاق أو حزام حول الخصر، ثم تلبس فوقه جلباب، والجلباب عبارة عن لباس طويل يصل إلى نهاية القدم واشترط الفضل بن الحواري أن يصل الجلباب إلى الكعبين، كما كانت تلبس بدل الجلباب في بعض الأحيان وتلبس المرأة الدرع فوق القميص والإزار، وهذا الدرع إما يكون قصيرا أو طويلا يصل إلى القدمين23.
أما غطاء الرأس فكان إما تكون مقنعة24 وهي عبارة عن قماش خفيف يغطى به الشعر وتربط المقنعة خلف الرأس، أو أن ترتدي الخمار، وهو غطاء للرأس يصنع من الحرير الأسود يغطي النصف العلوي من جسد المرأة 25، واشترط ابن بركة أن يصل الخمار إلى الركبة26، وإذا أرادت المرأة الخروج من البيت لفت عليها الملحفة27. أما القدم فلقد لبست المرأة الخف الذي يصنع من الجلد و يغطي كامل القدم إلى أعلى الكاحل28.
ولم يكن من الدارج لبس السروال النسائي في فترة الدراسة حيث كانت أغلب النساء يفضلن ارتداء الإزار ، إلا أنه يبدو للباحثة أن المرأة كانت تفضل لبس السروال في البيت نظرا لسهولة الحركة به وسهولة القيام بمهام البيت وتربية الأطفال، وهذا يعني أن المرأة كانت ترتدي في البيت ملابس أكثر بساطة ويقل فيها التفاصيل، حيث كانت ترتدي القميص القصير– يعرف في وقتنا الحاضر بالدشداشة النسائية - ويصل هذا القميص إلى ما دون الركبة ، كما تلبس تحت القميص السروال، وتغطي رأسها بالمقنعة. أما إذا ما أرادت الخروج من المنزل فكان لزاما عليها أن تكون أكثر حشمة ووقار وأن ترتدي فوق القميص والإزار الجلباب الذي يصل إلى الأرض طولا وتلف عليها فوقه بالملحفة.
لم تغط المرأة في مدينة نزوى وجهها نظرا لجواز إبراز الوجه كما أنها لم تغط الكفين أيضا، إلا أن بعض النساء ممن يحرصن على عدم إبراز وجههن لغير المحارم زيادة منهن في الناحية الدينية أو لمكانتهن الاجتماعية الرفيعة، فلقد غطين وجههن إما النقاب أو البرقع، ويكمن الفرق بين النقاب والبرقع أن النقاب يغطي الوجه كاملا بينما البرقع يغطي الوجه ويكشف عن العينين.
ولأن الحج فريضة هامة فلقد حرصت المرأة النزوانية على أدائها ، كما حرصت على أن تكون بكامل حشمتها في الأماكن المقدسة فارتدت الملابس الطويلة غير الضيقة أو الغير شفافة، كما حرصت على ارتداء القفازات29 في يديها، أما بالنسبة للوجه فالبعض منهن لا يغطين وجوههن لعدم شرعية تغطية الوجه في الحرم المكي، ولكن بعض النساء حرصت على أن تحمل المروحة الصينية في يدها للتغطي بها وجهها30.
أما المرأة المعتدة فتلبس الملابس البيضاء أو الملابس المصبوغة بالنيل31 طلية فترة العدة والتي تمتد لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام.
لباس الأمة
حرصت الأمة على التستر والاهتمام بمظهرها كونها أنثى وهذه فطرة في المرأة التي تحرص إلى أن تكون في أبهى حلة ، وكانت الأمة ترتدي نفس الملابس التي ترتديها الحرة إلا أن بعض الفقهاء كابن بركة أجازوا لها أن تكشف عن رأسها وأن تصلي وهي حاسرة الرأس32.

أنواع الأقمشة التي حيكت منها الملابس

انتشر في نزوى خلال العصور الإسلامية عدد من الأقمشة التي استخدمت في تصنيع الملابس مثل: الحرير والخز33، والإبريسم34، والقطن، والكتان، والصوف والجلد35، وكان يستنكر ارتداء الملابس المصنوعة من جلود الحيوانات الضارية كالأسود والنمور36.
وازدهر في نزوى خلال فترة الدراسة الكثير من الصناعات المرتبطة بالملابس منها:
1- صناعة النسيج: وتميز النسَّاج النزوي بالدقة والإبداع في عمله، وكان يتم نسج الحرير والقطن، وكان الحرير يستورد من الصين بحكم أن المدينة لا تنتج الحرير، أما القطن فلقد كان يزرع محليا، حيث اشتهرت عددن من العمانية بزراعة القطن قصيرة التيلة كنزوى وسهل الباطنة وظفار37، كما عملت المرأة النزوية هي الأخرى في غزل القطن والصوف، وقامت بخياطة ملابسها بنفسها38 من أجل أن تفنن في انتقاء أفضل ما قد يناسب لباسها من أقمشة وألوان.
2- صبغ الملابس: عمل الصبَّاغ على العناية بالملابس من خلال صبغها بمواد طبيعية عبارة عن نباتات لها قدرة على تغير لون الثوب ، كما أن هذه النباتات تتميز برائحتها العطرية الزكية، ومن أهم خصائص هذه الرائحة أنها ليست من الروائح القوية بحيث تشم رائحة المرأة وهي تمشي في الأماكن العامة بل تميزت هذه النباتات بروائح عطرية هادئة جدا وفي نفس الوقت زكية وعطرة، ومن هذه النباتات العطرة الورس39 والفوة40، و الزعفران 41، و الشوران42،والعُصْفُر43، والنيل44، والبقم45.
ومن خلال استعراض هذه النباتات يتضح لنا أن المرأة حرصت على ارتداء ملابس بألوان متعددة فهناك إلى جانب البياض تضم قائمة ملابسها ملابس باللون الأحمر واللون الأزرق والأصفر واللون البرتقالي، وحرص المرأة على تنوع الألوان في ملابسها له دليل تفاعلها مع الحياة بصورة إيجابية، كما يدل أيضا على التنوع السكاني والثقافي الذي شهدته نزوى خلال فترة الدراسة. ولم تكن جميع هذه الأصباغ متاحة لجميع النساء فبعضها تميز بارتفاع ثمنه كالزعفران والورس والذي كانت المرأة الموسرة تشتري الملابس المصبوغة بها، أما المرأة الفقيرة فكانت تستخدم الملابس التي صبغت بأصباغ أرخص ثمنا كالفوة46.
ولم تكن المرأة وحدها اهتم بالملابس المصبوغة بل شاركها الرجل اهتمامها هذا وإن كان المجتمع في تلك الفترة يفضل أن يلبس الرجل الملابس البيضاء، وفي ذلك يقول محمد بن إبراهيم الكندي جواب لمسألة :" ثوب مصبوغ بالشوران أو الورس أو الزعفران أيجوز للرجل أن يصلي به الفرائض والسنن أم لا؟". فأجاب الشيخ إبراهيم الكندي :" ما علمت في ذلك تحريما على الرجال، والبياض أحسن في لباسهم"47 .

1 - السالمي، عبدالله بن حميد. تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، د،ط، مكتبة نور الدين السالمي، السيب: 2000م، ج1، ص 121؛ السيابي، سالم بن حمود. عمان عبر التاريخ، ط1، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1994م، ج1، ص 25.
2 - السيابي، المرجع السابق، ج2، 25.
3 - السيابي، أحمد ، مكانة نزوى، بحث مقدم لندوة نزوى عبر التاريخ،ط1، المنتدى الأدبي، السيب:2001م ، ص 74.
4 -الشقصي،خميس بن سعيد، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، تحقيق سالم بن حمد الحارثي،د،ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط:د،ت، ج4، ص78.
5 - نفسه، ص92.
6 - السالمي، المصدر السابق، ج1، ص160.
7 - الكندي، أحمد بن عبدالله. المصنف، تحقيق عبد المنعم عامر، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1981م، ج5، ص 30.
8 - أقر العلماء بعدم بطلان الصلاة في حالة نسي المصلي وارتدى لباسا فيه رسومات لحيوان أو إنسان، أما في حالة تعمد الشخص الصلاة بلباس يضم رسومات فإن العلماء اعتبروا صلاته باطلة. ووجود الصور لا يعني أن يتخلص الإنسان من الثوب وإنما بإمكانه أن يحاول مسح الصورة أو أن يقص الرأس ينظر: الشقصي، المصدر السابق ، ج4، ص 90.
9 - الكندي،محمد بن إبراهيم، بيان الشرع، تحقيق سالم بن حمد الحارثي،د،ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1984، ج5، ص 192.
10 - المصدر نفسه، ص330.
11 - الشقصي، المصدر السابق، ج4، ص89 .
12 - الكندي، محمد، المصدر السابق، ج5، ص 193.
13 - الشقصي، المصدر السابق، ج4، ص92.
14 - الكندي، أحمد، المصدر السابق، ج5ص30؛ الشقصي، المصدر السابق، ج4، ص 96.
15 - نفسه، ص99.
16 - نفسه، ص88.
17 - نفسه.
18 - نفسه.
19 - الكندي، محمد، المصدر السابق، ج43، ص184، ج57، 33، ص 428.
20 - الشقصي، المصدر السابق، ج4، ص95، ص98.
21 - الكندي، محمد، المصدر السابق، ج45، ص24.
22 - السالمي، المصدر السابق، ج1، 193.
23 - الفضل بن الحواري، جامع الفضل بن الحواري،د،ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1985م، ج1، 32.
24 - نفسه، ص50.
25 - ابن جعفر،محمد بن جعفر، كتاب الجامع، تحقيق جبر محمود الفضيلات، د،ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1994م، ج4، ص174.
26 - ابن بركة، عبدالله بن محمد، الجامع، تحقيق عيسى يحيى الباروني،د،ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط، د،ت، ج1، ص540.
27 - الملحفة تشير إليها جميع المصادر باسم الملحفة اليمانية مما يعني أنها كانت تصنع في اليمن ، وكانت إما من الحرير أو الصوف بحيث ارتدت المرأة الموسرة الملحفة المصنوعة من الحرير أما المرأة الفقيرة فلفت على نفسها المقنعة المصنوعة من الصوف . انظر: الفضل بن الحواري، المصدر السابق، ج1، ص 32.
28 - الكندي، محمد، المصدر السابق، ج22، ص 140.
29 - نفسه، ص 141.
30 - نفسه، ص 139.
31 - أبو الحواري، محمد بن الحواري، جامع أبي الحواري، د.ط، ، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1985م، ج4، ص 39.
32 - ابن بركة، المصدر السابق، ج1، ص 484.
33 - أجاز العلماء أن يصلي الرجل بالثوب المصنوع من الخز الخاص وفي ذلك يقول الشقصي:" وتجوز الصلاة في الخز الخاص، ولا تجوز الصلاة للرجل في ثوب القز والحرير ولا الإبريسم إلا في الحرب أو الضرورة: ينظر: الشقصي، المصدر السابق، ج4، ص 96- 97.
34 - الخز، القماش المصنوع من الإبرسيم والإبرسيم هو الحرير الخام. الباحثة.
35 - الكندي، محمد، المصدر السابق، ج22، ص 140- 141؛ الشقصي، المصدر السابق، ج4، ص 96.
36 - نفسه، ص 98.
37 - المعشني، سعيد بن مسعود بن محمد، الصناعات التقليدية في ظفار، مكتبة الكنوز، صلالة: د.ت، ص104؛ السليماني، عبد الرحمن بن أحمد بن عبدالله ، مدينة نزوى في عهد الإمامة الإباضية الثانية، ط1، النادي الثقافي، مسقط: 2011م، ص 244.
38 - الكندي، أحمد، المصدر السابق، ج35، ص 121.
39 - عرف ابن منظور الورس على أنه مادة صفراء تستخرج من نبات يزهر بين آخر الصيف وأول الشتاء ، ولهذه المادة قدرة على صباغة الملابس باللون الأصفر. انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم. لسان العرب، تصنيف يوسف خياط، د.ط، دار العرب، بيروت: د، ج 3، ص 909.
40 - الفوة ،عبارة عن عروق نبات يسمو دقيقا، في رأسه حب أحمر شديد الحمرة ، كثير الماء يكتب بمائه وينقش.ينظر: ابن منظور، المصدر السابق، ج2، ص 1150- 1151.
41 - الزعفران، شجيرة صغيرة على شكل أزهار عطرية، تزرع في عمان وإن كانت تستورد بكميات أكبر من الصين وبلاد فارس نظرا لحاجة السوق والطلب المتزايد عليها والذي لا يغطيه الإنتاج المحلي. الباحثة.
42 - الشوران ، هو الأخر عبارة عن شجيرة صغيرة ولكنها قد تصل إلى المتر أو المترين في بعض الأحيان وهي على شكل زهرة ويكون الشوران على شكل شعيرات برتقالية اللون وينبت في وسط الزهرة. الباحثة.
43 - الكندي،محمد، المصدر السابق، ج22، ص140، ص 142.
العُصْفُر، أو الكركم وهو زهرة القرطم وهو نبات من الفصيلة النجمية يتراوح طول النبتة ما بين 30- 150سم، ينمو في الجزيرة العربية، يستخرج من أزهاره لون إما أصفر وأحمر بحسب لون الزهرة. www.wikipedia.org
44 - النيل ، مادة زرقاء تستخرج من نبات العظلم وتسمى أيضا في بعض البلدان نبات الوسمة أو نبات نيلة الأسوي وهو نوع يتبع فصيلة البقوليات من رتبة الفوليات ، ينقع في أوعية فخارية تسمى محليا بالحوابس، لأن النيلة لا تذوب في الماء لذا تعالج بمادة قلوية مخففة. الباحثة.أنظر أيضا: www.wikipedia.org
45 - البقم ، نوع من الأشجار تعرف حاليا بخشب البرازيل، يستخرج من هذا الشجر صبغة ذات لون أحمر. www.wikipedia.org
46 - الفضل بن الحواري، المصدر السابق، ج 1، ص 32.
47 الكندي، محمد، المصدر السابق، ج5، ص 193.
________

ألقيت هذه الورقة في ندوة "نزوى تاريخ وحضارة"

بدرية بنت علي الشعيبية