يقول الله تعالى:(يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب) (البقرة ـ 269).
القارئ الكريم: من يرد الله به الخير يرزقه الحكمة ويرزقه العمل بها ولقد قال العلماء عند تعريفها أي الحكمة. أن أصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فنفهم من ذلك : أن العلم حكمة لأنه يمتنع به عن السفه وعن كل قبيح , والحكمة كذلك أخي المسلم هي: الفضيلة التي تنشأ من سيطرة القوة العاقلة على القوة الشهوانية ,بل هي: الإتقان للأقوال والأفعال يقال : فلان يعمل بحكمة أي بجد وإتقان , وقال العلماء: الحكمة هي الحلم والعلم والعدل. ومن الحكمة معرفة القرآن الكريم , وما فيه من أحكام ومواعظ وعبر ,والحكيم هو من يفعل الخير ابتغاء وجه الله تعالى ولا ينتظر الجزاء إلا من الله رب العالمين. وممكن أن نقول إن جملة القول في تعريف الحكمة أنها: أم الفضائل, وأصل كل فضيلة, وهي أسمى القيم وأجلها, وهي تمام العلم, وكمال المعرفة, من حواها فقد حوى الخير كله والآية الكريمة التي ذكرناها في أول كلامنا. نفهم منها أن الحكمة: منحة وعطاء من الله تعالى لصاحبها .فهو سبحانه وتعالى يعطيها من يشاء من عباده (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) ولقد وهب الله تعالى الحكمة لأنبيائه وعلى من شاء بقدرته وفضله. قال تعالى عن سيدنا سليمان عليه السلام:(وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب)، وقال عن لقمان:(ولقد آتينا لقمان الحكمة)، وقال عن سيدنا داود ـ عليه السلام:(وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) وكل هذه الآيات تدل على أن الله تعالى يهب هذه المنحة والفضل على من يشاء من عباده الأتقياء المخلصين الذين راقبوه في أقوالهم وأفعالهم في سرهم وعلانيتهم وفي كل شئون حياتهم .متطلبات الحكمة : تتطلب الحكمة من صاحبها أن يكون بصيرا بأموره متعمقا في فهمه , دقيقا في إدراكه ,متأنيا في تفكيره ويأخذ حذره قبل أن يُقدم على أي عمل ينوي القيام به وكل هذه الأمور لا ينالها الإنسان بالشهادات الدراسية , ولا العلمية إنما ينالها من مكانها الحقيقي وهو الكون الفسيح في مدرسة الحياة .وهذا يأتي من التجارب والتعامل مع الناس , وكم من أناس يحملون الشهادات العليا ولكنهم في حاجة ماسة إلى الخبرات التي يكون مكانها التعامل في معترك الحياة الصعب , وعلي النقيض من ذلك: ربما تجد أناس لم يحصلوا على أي شهادة ومع هذا يعلمون من تجاربهم اليومية ومن خلال تعاملهم مع الناس , يعلمون الكثير والكثير ولقد قال العلماء الكرام : أن آلة الحكمة هي العقل السليم الذي فضّل الله به الإنسان على غيره من سائر المخلوقات , قال تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم ..) فبأي شيء كان هذا التكريم؟ قيل : بالفهم والتميز, والصحيح أن التفضيل كان بالعقل الذي به يُعرف رب العالمين فبالعقل , يضبط الإنسان سلوكه ويبتعد عن الأخطار ويتجنب مزالق الأقدام وما من إنسان يجعل الحكمة منهجه في هذه الحياة إلا ونجح في كل أمور حياته , لأنه لن يُقدم على أي عمل إلا بعد دراسة وتأني , وفي هذه اللحظة سيكون للحكمة الدور الكبير في عمل الخيرات والبعد عن السيئات وكيف لا, والحكمة تقتضي قبل كل عمل تبصرا بالأمور من كل النواحي وعندما جاء الإسلام بمنهجه القويم دعا إلى التزام الحكمة في كل الأمور ولعل خير الطرق وأفضلها لاكتساب فضيلة الحكمة ,والتحلي بها هو:الأخذ بأفضل أساليب التربية الأخلاقية , ونقتدي بمن يتصفون بالعدل , والقناعة ويسلكون طريق العدل والحق , والصدق في أقوالهم , وقد ورد في السنة المطهرة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل الحكمة , ما ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال ,سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا حسد إلا في اثنتين , رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق , ورجل آتاه الله الحكمة , فهو يقضي بها , ويعلمها الناس ) رواه البخاري ومسلم وقد وصف الله تعالى أنبياءه ورسله بصفة الحكمة فقال تعالى ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) سورة النساء 54 أخي المسلم : طوبى لعين نامت ولم تُحدّث نفسها بالمعصية , وانتبهت في غير إثم وتوكلت على الله تعالى في كل خطواتها وابتهلت إليه أن يرزقها الحكمة لتصل بذلك إلى مرضات الله رب العالمين إن من الحكمة أخي المسلم: أن يتفكر المسلم في يومه وماذا فعل فيه من أمور الخير التي ترضي رب العالمين , فندعو الله تعالى أن يرزقنا الحكمة ,( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) واجعلنا هداة مهديين اللهم آمين.

إبراهيم السيد العربي
* إمام وخطيب جامع الشريشة/ سوق مطرح