تأسست دولة اليعاربة عام 1624م، بقيادة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وتنتسب إلى قبيلة يعرب بن قحطان، وكان مقر حكمها مدينة الرستاق في عمان، وهي الدولة التي نجحت في توحيد عمان بعد حالة من الفرقة والانقسام، وطرد البرتغاليين من عمان، وقامت بمطاردتهم في سواحل الخليج والساحل الغربي للهند، وسواحل أفريقيا الشرقية، وأصبحت قوة بحرية كبرى في الخليج والمحيط الهندي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، نعمت عمان خلالها بالاستقرار والأمن والرخاء الاقتصادي.
وفيما يتعلق بعلاقة عمان ببلاد فارس في عهد دولة اليعاربة، فقد تزامن سقوط هرمز مع قيام أسرة جديدة تولت الحكم في عمان، ونأت بنفسها عن أية تبعية فارسية أو برتغالية، وهي أسرة اليعاربة التي استمرت قائمة بالحكم منذ ذلك الوقت حتى سقوطها في عام 1741م، حيث خلفتها أسرة جديدة وهي أسرة آلبوسعيد التي لا تزال تحكم في سلطنة عمان حتى وقتنا الحاضر.
وقد مر حكم اليعاربة مر بمرحلتين مختلفتين، تميزت أولهما بالقوة وازدهار وهي المرحلة الأكبر، والممتدة من تأسيس دولتهم عام 1624م وحتى عام 1718م، أي نهاية عهد سلطان بن سيف الثاني، وهي الفترة التي برزت فيها قوة الدولة وهيمنتها ونعمت عمان خلالها بالأمن والرخاء، وكان نجاح اليعاربة في القضاء على النفوذ البرتغالي قد أتاح لأسطولهم السيطرة على النشاط البحري في الخليج، كما برزت خلال هذه الفترة هجرات وتحركات، استطاعت في النهاية أن تتحول إلى كيانات قبيلة وسياسية استقرت على سواحل الخليج الغربية – والتي سيأتي ذكرها فيما بعد -.
أما المرحلة الثانية من حكم اليعاربة فقد كانت خلال الفترة 1718 – 1744م التي امتدت حتى تأسيس دولة آلبوسعيد، وهي فترة انتهت بزوال دولة اليعاربة، والتي بدأت ملامحها تتضح في عهد سيف بن سلطان الثاني1، بعد أن مزقت عمان الحروب الأهلية والصراعات القبلية، وبدا أن الإمامة عاجزة عن تحقيق الأمن والاستقرار، ويشير المؤرخون إلى تولي أكثر من إمام في وقت واحد، واختتمت هذه المرحلة بالغزو الفارسي لعمان وتداعياته السيئة.
وانتقلت عمان منذ عام 1622م، أي بعد تحرير هرمز، من مرحلة التمزق والتشتت إلى مرحلة جديدة، والمتمثلة في مرحلة توحيد الصفوف تحت علم واحد، ووجود حكومة مركزية قوية، وانتهى ذلك العهد الذي كانت فيه بعض أجزاء عمان الساحلية تعتبر تابعة لمملكة هرمز منذ مجيء البرتغاليين، وقد تبنت هذه المرحلة الهامة من تاريخ عمان دولة اليعاربة التي تأسست عام 1624م، وسجلت في التاريخ العربي الحديث صفحات ناصعة من الكفاح والبطولات ضد المستعمرين الأوروبيين. ويؤكد المؤرخون أن قوة اليعاربة في الخليج العربي، إنما تعود إلى قوتين أولهما القوة الاقتصادية لليعاربة، وثانيهما قوتها العسكرية.
وقدر للإمام ناصر بن مرشد مؤسس الدولة أن يخوض صراعاً مريراً ضد الفرس والبرتغاليين، وقد بدأ صراعه ضد الفرس حين اغتنم فرصة سقوط حصن البرتغاليين في هرمز فقام بالقضاء على ما كان للمملكة هرمز من سيادة على صحار، كما نجح في تخليص جلفار(رأس الخيمة)2، وكانت تحصنها قوة فارسية فنجح الإمام في حصارها وإجبارها على التسليم، ووقف موقفاً منيعاً أمام الفرس الذين حاولوا أن يرثوا البرتغاليين، أو مملكة هرمز في سيطرتهم على المواقع العمانية الأخرى.
ولم تسلم فارس من تعرض العمانيين لمصالحها، وبلغ مقدار الضرر الذي تعرضت له التجارة الفارسية، بل والسيادة الفارسية على سواحلها المطلة على الخليج العربي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، أن حاولت الاستعانة بإحدى القوى الأوروبية لتقضي على منافسة عمان لها، وفيما تقرره الكثير من المصادر أن الحكومة الفارسية تقدمت في السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر إلى شركة الهند الشرقية الإنجليزية لكي تعاونها في الهجوم على مسقط، في مقابل منح الإنجليز في مسقط نفس الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها من قبل الفرس في ميناء بندر عباس.
ولكن شركة الهند لم تتحمس في ذلك الوقت للعروض الفارسية، إذ لم يكن لديها الرغبة في التدخل عسكرياً في شؤون الخليج، لما كان يستلزم منها الأمر مواصلة إرسال السفن والجنود التي كانت أوج ما تكون إليهم في تنظيم وتوطيد نفوذها في ممتلكاتها في شبه القارة الهندية3، وإن كانت قد حرصت في الوقت نفسه على أن تقف حائلاً دون استفادة الهولنديين من ذلك الموقف لما يؤدي إليه ذلك من تفوقهم على الإنجليز في فارس والخليج العربي.
ومن ناحية أخرى فقد أثارت تجارة مسقط في المحيط الهندي وفي سواحل شرق أفريقيا اهتمام شركة الهند الشرقية الإنجليزية، حتى أن ممثلي الشركة في البصرة وبغداد كتبوا أن سفنها أصبحت تسطير على تجارته، وحث كل من هارفرد جونزHarvard Jons 4 وصمويل مانيسي Samuel Manisa حكومة الشركة على أهمية تأسيس وكالة لها في مسقط، وإن كانت الشركة لم تقم بأي إجراء مكتفية حتى أوائل القرن التاسع عشر بمن كانت تعينهم من العناصر الوطنية لإدارة شؤون الشركة في مسقط.

هوامش :

1- سيف بن سلطان الثاني: الصبي الذي مات عنه والده الإمام سلطان بن سيف الثاني وهو صغيرا لم يبلغ الحلم، فأراد الكثير من أبناء البيت اليعربي وعامة الناس مبايعته إماما، بينما رفض آخرون، مما أدى إلى حدوث فتنة ومشاكل سياسية استمرت فترة طويلة، وعندما بلغ الحلم تم توليته إماما في عام 1140هـ / 1727م، واستمر في الإمامة حتى تم عزله في عام 1145 هـ / 1732م، لعدم كفايته وضعف قدراته السياسية، فاستنجد بالفرس، مما حدا بهم إلى احتلال عمان، وتوفي سيف عام 1741م.
2 - إن أصل تسمية رأس الخيمة بهذا الإسم له أهمية خاصة، حيث أن مؤسس المدن القواسمية كان شيخا يدعى "جاسم" وقد أقام هذا الشيخ خيمته في منطقة من الأرض ترتفع قليلا عن شاطئ البحر، بحيث يكون واضحا جدا امام السفن المارة، فأطلق البحارة على هذا المكان اسم رأس الخيمة، والتي تشير إلى النقطة التي كانت فيها الخيمة، ومع مرور الوقت تم بناء مدينة في المكان نفسه وانتقل الإسم إليها.

3 - شبه القارة الهندية: يقصد بها دول الاتحاد الهندي وباكستان وبنجلاديش قبل الاستقلال، حيث كانت تضم 12 مقاطعة تحكمها بريطانيا و 584 إمارة يحكمها أمراء، واستخدم لفظ الهند كمدلول عليها، نظرا لعدم وجود حكومة مركزية تسود أرجائها الواسعة، وكانت الهند قبل التقسيم أي قبل عام 1947م تعرف بإسم " الهندوسيتان"، وتحتوي الهند الآن على عدة دول هي دول الاتحاد الهندي وباكستان وبنجلاديش وسريلانكا ودولتا النيبال وبوتان في الشمال.
4 - هارفورد جونز: المقيم البريطاني في بغداد بين سنة 1798م و 1806م، وتم تعيينه كمبعوث سياسي بريطاني إلى فارس في مايو 1808م، وكان يحمل لقب البارون وأرسلته الحكومة البريطانية مفوضا بسلطات واسعة كسفير بريطاني إلى فارس لمواجهة نفوذ الفرنسيين، ولعقد معاهدة مع شاه فارس، وكان في نظر حكومته شخصية تمتلك الكثير من الخبرات الدبلوماسية.

محمد بن حمد الشعيلي
باحث في التاريخ الحديث والمعاصر
[email protected]