إن حلم الطفلين الروسيين بشراء سيارة جاجوار فارهة، هو حلم وردي مشحون بالأمل، جاء منسجمًا مع حالة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع الروسي منذ تطبيقه لنظرية (البروستريكا)، ذلك المصطلح الروسي الذي يعني (إعادة البناء) والذي دشنه الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف في أوائل التسعينيات، وأدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، ما مهد الطريق للتحول الاقتصادي في روسيا إلى الرأسمالية.تناقلت وكالات الأنباء هذا الأسبوع خبرًا من أخبار المنوعات، بطلاه طفلان روسيان يحفران نفقا تحت سور روضتهما بمجرفة بلاستيكية ويهربان من خلاله إلى معرض سيارات قريب من الروضة بإحدى المدن الروسية، ويفيدان مندوب المبيعات بالمعرض بأنهما يرغبان في شراء سيارة (جاجوار) فارهة.قد يبدو الخبر طرفة مضحكة إذا أخذه القارئ في سياقه الطبيعي، غير أن مضمونه يحمل أكثر من دلالة إذا ما تم إسقاطه على الواقعين الروسي والعربي معًا، وذلك في وقت يخضع كلاهما إلى تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية متفاوتة الأبعاد.ورغم أن واقعنا العربي مليء بالكثير من المواقف الطفولية الطريفة التي تسعد القلب .. وكل حسب ظرفه المكاني والزماني، إلا أن الراهن العربي ـ وللأسف ـ حبلى بعض أرجاء جغرافيته المكانية بصور ونماذج من الأطفال فقدوا المعنى الحقيقي لطفولتهم دون أن يكون لهم ذنب في ذلك، مما قد يسلبهم قدرتهم على الإسهام الإيجابي في بناء أوطان الغد.ففي بعض الجغرافية العربية يوجد أطفال يحملون (الكلاشينكوف) كأولئك الذين جندهم تنظيم "داعش" الإرهابي في نهاية أغسطس الماضي في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم في مدن الموصل والفلوجة والرمادي العراقية، في حين لم تتعدَّ أعمارهم السادسة عشرة.أن يحمل طفل كلاشينكوف، بالضرورة أنه تلقى تدريبا عسكريا قاسيا كسر فيه براءة الطفولة من خلال ضربه للنار على أهداف يصوب عليها، جنبًا إلى جنب تدريبه على كيفية حماية نفسه والاحتماء والاختفاء خلف ساتر أو داخل أنفاق وملاجئ آمنة.وبإسقاط الصورتين على بعضهما الروسية و"الداعشية" العربية تلتقي الصورتان في استخدام (النفق) هروبًا وتمردًا على واقع يختلف تقييمه، بينما يتنافران في الأهداف حيث الحلم الوردي للطفلين الروسيين، والمستقبل الحالك الظلام لأطفال "الدواعش" العرب الذين يعيشون فاقدًا كبيرًا من الطفولة رغم أن التصنيف العلمي لمرحلتهم العمرية يقول إنهم صبية أو غلمان.إن حلم الطفلين الروسيين بشراء سيارة جاجوار فارهة، هو حلم وردي مشحون بالأمل، جاء منسجمًا مع حالة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع الروسي منذ تطبيقه لنظرية (البروستريكا)، ذلك المصطلح الروسي الذي يعني (إعادة البناء) والذي دشنه الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف في أوائل التسعينيات، وأدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، ما مهد الطريق للتحول الاقتصادي في روسيا إلى الرأسمالية.فيما حلم أطفال "الدواعش" المغرر بهم بوطن جديد يدرك تفاصيله من دربوهم على حمل السلاح، غير أنهم في الواقع نتاج تحولات وأخطاء سياسية مرت وتمر بها المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحديدًا، مرورًا بالغزو الأميركي للعراق، وبدء انفراط العقد بالمنطقة العربية بعد اختلال توازن القوى فيها، وظهور جماعات مسلحة غير معروف أصلها بشكل كامل ومؤكد حتى الآن.وفي سياق التحولات أيضًا، أن كل ما تتعرض له المنطقة العربية وحال أطفال البؤر الملتهبة منها، غير منفصل بأي حال من الأحوال عن تداعيات الصراع العربي ـ الإسرائيلي الذي تحولت معاركه من عسكرية مباشرة وإعلامية ساخنة إلى معارك استراتيجية بعيدة المدى، يمارس الصراع والاقتتال فيها محاربون بالوكالة، أبرزهم "داعش" حسب ما يرى الكثير من المراقبين.وكنتيجة لكل ذلك هرب أطفال المناطق العربية الساخنة من مدارسهم ورياضهم إلى ساحات القتال والأنفاق والملاجئ والمخابئ باحثين عن مستقبل لا محال أنه مظلم، فهل من مغيث لإنقاذهم... إنها مسؤوليتنا نحن الذين أكبر منهم عمرًا في بيوتنا أولا ثم في مدارسنا ومراكز اتخاذ القرار. طارق أشقر [email protected]