إعداد ـ أم يوسف
سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأن ‏الله ‏سبحانه ‏وتعالى ‏أقسم ‏فيها ‏بأداة ‏الكتابة ‏وهى ‏‏"‏القلم ‏" ‏ففضلت ‏السورة ‏بهذا ‏الاسم ‏تعظيما ‏للقلم، ‏وسُميت ‏أيضا ‏‏"نون ‏والقلم " ‏وسورة ‏‏"‏القلم"‏ ‏،وهي: مكية من المفصل آياتها (52) وترتيبها الثامنة والستون، نزلت بعد العلق . بدأت باسلوب القسم (ن، والقلم وما يسطرون)، لم يذكر لفظ الجلالة في السورة ، اسم السورة "القلم". الجزء (29)، الحزب (75).
تناولت هذه السورة ثلاثة موضوعات أساسية هى: موضوع الرسالة، والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة محمد بن عبد الله ، وقصة أصحاب الجنة "البستان" لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى، والآخرة وأهوالها وشدائدها، وما أعد الله للفريقين المسلمين والمجرمين، ولكن المحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع إثبات نبوة محمد .
* سبب نزول السورة:
1) قال تعالى:"وإنَّكَ لعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك ولذلك أنزل الله (وإنك لعلى خلق عظيم).
2) قال تعالى:"وان يكاد الذين كفروا .." الآية . نزلت حين أراد الكفار أن يعينوا رسول الله فيصبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش فقالوا ما رأينا مثله ولا مثل حججه وكانت العين في بني أسد حتى إن كانت الناقة السمنة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعينها ثم يقول يا جارية خذي المكتل والدرهم فاتينا بلحم من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر وقال الكلبي كان رجل يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ثم يرفع جانب خبائه فتمر به النعم فيقول ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة وعدة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله بالعين ويفعل به مثل ذلك فعصم الله تعالى نبيه وأنزل هذه الآية . فالى التفسير مع الامام القرطبي.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:(نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرا غَيْرَ مَمْنُونٍ)
قوله تعالى:(نْ وَالْقَلَمِ) أَدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب. والباقون بالإظهار. وقرأ عيسى بن عمر بفتحها ؛ كأنه أضمر فعلا. وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف، القسم. وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء. واختلف في تأويله ؛ فروى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:(ن لوح من نور). وروى ثابت البناني أن "ن" الدواة. وقاله الحسن وقتادة. وروى الوليد بن مسلم قال: حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وذلك قوله تعالى: (نْ وَالْقَلَمِ) ثم قال له اكتب قال: وما أكتب قال: ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ـ قال ـ ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة. ثم خلق العقل فقال الجبار ما خلقت خلقا أعجب إلي منك وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت). قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته)، وعن مجاهد قال:(ن) الحوت الذي تحت الأرض السابعة. قال:(وَالْقَلَمِ) الذي كتب به الذكر. وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي: إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون، وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، وإن الجبال لتفخر على الأرض. ثم قرأ ابن عباس (ن وَالْقَلَمِ) الآية. وقال الضحاك عن ابن عباس: إن "ن" آخر حروف من حروف الرحمن. قال : الر ، وحم ، ون ؛ الرحمن تعالى متقطعة. وقال ابن زيد: هو قسم أقسم تعالى به. وقال ابن كيسان: هو فاتحة السورة. وقيل : اسم السورة. وقال عطاء وأبو العالية: هو أفتتاح اسمه نصير ونور وناصر. وقال محمد بن كعب : أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين ؛ وهو حق. بيانه قوله تعالى:(وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وقال جعفر الصادق: هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون. وقيل: هو المعروف من حروف المعجم ، لأنه لو كان غير ذلك لكان معربا ؛ وهو اختيار القشيري أبو نصر عبدالرحيم في تفسيره. قال: لأن "ن" حرف لم يعرب، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم ، فهو إذا حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور. وعلى هذا قيل: هو اسم السورة ، أي هذه السورة "ن". ثم قال:"وَالْقَلَمِ" أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان، وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض ؛ ومنه قول أبي الفتح البستي:
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم
وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب عزا ورفعة
مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة، ما ذكرناه أعلاها. وقال ابن عباس: هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض. ويقال. خلق الله القلم ثم نظر إليه فأنشق نصفين ؛ فقال: أجر، فقال: يا رب بم أجري؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة ؛ فجرى على اللوح المحفوظ. وقال الوليد بن عبادة بن الصامت: أوصاني أبي عند موته فقال: يا بني، اتق الله، وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده ، والقدر خيره وشره، سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:"إن أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب فقال يا رب وما أكتب فقال أكتب القدر فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد" وقال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن ؛ فكتب فيما كتب "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" وقال قتادة: القلم نعمة من الله تعالى على عباده. قال غيره: فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه ، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض .. والله أعلم.

(المصدر: تفسير القرطبي)