في ظل انتشار رقعة الصراعات والتوترات في مختلف أنحاء العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص، غدت تتراجع حقوق الإنسان في التعليم والصحة والغذاء والدواء والاستقرار النفسي والاجتماعي، وأخذت المنظمات الدولية المعنية تدق ناقوس الخطر من مصائر مجهولة تتهدد الإنسان، سواء كان طفلًا أو شابًّا أو شيخًا، وذكرًا كان أو أنثى.
وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم نقلات كبيرة في مجالات العلم المختلفة، يفترض معها أن تتراجع نسب الأمية والفقر والمرض في دول العالم، تمثل الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية صدمةً وألمًا جراء ما يهدد البشرية، ليدخلها مجاهيل الأمية والظلم والفقر والمرض.
لقد كان لافتًا أن يتزامن الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية والذي يصادف الثامن سبتمبر من كل عام مع أرقام مفزعة لمحرومين من الذهاب إلى المدرسة، حيث حذرت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة "اليونيسف" من أن هناك ما يقرب من 13 مليون طفل في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا محرومين من التعليم، بسبب الصراعات والحروب التي تشهدها بلدانهم.
وأشار التقرير الجديد للمنظمة الذي حمل عنوان "التعليم تحت النار" إلى وجود ما يقرب من 3 ملايين من المهجرين، الذين شكلوا ضغطًا ضخمًا على البنية التحتية التعليمية ما أثر على 950 ألف طالب مدرسة على الأقل، داعيًا المجتمع الدولي إلى تقديم المزيد من الدعم لأنظمة التعليم الوطنية في دول النزاع والدول المضيفة للاجئين وتدريب المعلمين وتوفير أدوات التعليم.
وما من شك أن هذه الملايين لهؤلاء الأطفال إذا ما أضيفت إلى مثيلاتها للكبار، فإن العالم عامة والمنطقة خاصة أمام تحدٍّ خطير حيث تترعرع أجيال مختلفة خارج النظام التعليمي، ما يعني أن الدول العربية وبخاصة تلك التي ضربتها ولا تزال الكرات الحارقة لـ"الحريق العربي" مقبلة على نسب كبيرة من الأمية، في حين كانت قبل هذا "الحريق العربي" قد حققت نجاحات كبيرة في مد مظلة التعليم ومحو الأمية.
إن مشكلة الأمية تظل واحدة من أهم وأخطر المشكلات التي تعرقل حركة التطور والنمو في العالم وليس فقط في منطقتنا أو بلادنا، ذلك لأن الأمية تعترض سبيل الناس إلى التقدم بأنفسهم أو بعائلاتهم، فضلًا عن تسارع حركة عالم المعلومات الذي يضيف كل يوم جديدًا في مجال التكنولوجيا والتحديث في وسائل الإنتاج وأساليب البحث والارتقاء بالأعمال الإدارية التي تفضي بدورها إلى خدمة المجتمع من خلال ما يعرف حاليًّا باسم (الحكومة الإلكترونية) التي يتطلب التعامل من خلالها وعيًا أكبر بطرق استخدام أجهزة الحاسوب، ومن ثم تغير مفهوم الأمية من أمية الخطوط والقراءة والكتابة بوسائلها التقليدية إلى مفهوم أكثر تعقيدًا يتطلب علاجه بمحو الأمية بالمفهوم التقليدي وأيضًا محو الأمية الحاسوبية (الكمبيوترية) بكل ما يحمل هذا المصطلح الجديد من أعباء ويتطلب من نفقات وموازنات.
وتنتهج بلادنا منذ زمن استراتيجية واضحة لمقاومة الأمية بكل أبعادها نتيجة وعي الجهات المعنية، وبخاصة في وزارة التربية والتعليم بأهمية تعليم الكبار كخطوة في سبيل رفع مستوى أداء التعليم بشكل عام، فضلًا عن رفع مستوى التثقيف والوعي بين المواطنين على اختلاف مواقعهم وأعمارهم وظروفهم الاجتماعية.
وفي سبيل محو الأمية تتواصل جهود السلطنة نحو تحقيق الأهداف التي التزمت بها حيال هذا الأمر، محققة بذلك التطلعات الدولية مع الدول المختلفة والتي أكد عليها مؤتمر محو الأمية بدكار في العام 2000م، وحسب سعادة الدكتور وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم والمناهج بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية فإن وزارة التربية والتعليم، ومن خلال البرامج والمشاريع الداعمة لمسيرة العملية التعليمية لمحو الأمية استطاعت أن تقلص نسبة الأمية من 9.1% في الفئة العمرية من (15-44)، وذلك وفقًا للإحصائيات النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت في عام 2003م إلى 3.5% لنفس الفئة في تعداد عام 2010م، وهو إنجاز كبير يحسب للسلطنة بجميع المقاييس، ناهيك عن أن السلطنة استطاعت تنفيذ التزاماتها الدولية التي وقعت عليها في مؤتمرات دولية تبنتها اليونسكو، ومنها مؤتمر التعليم للجميع والذي عقد بدكار عام 2000م والذي أوصى بتحقيق تحسين في نسبة الأمية إلى 50% بحلول عام 2015م وقد استطاعت السلطنة تحقيق هذه النسبة قبل المدة المحددة.