[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
حاولت الرئاسات الثلاث امتصاص حماسة الحراك الشعبي وسارعت بإعلان حزم إصلاحات، كما تمددت موجات حراكها إلى رئاسات محافظات ومدن أخرى، بإعلان إجراءات ضد الفساد والمفسدين، ولكنها تبقى لحد الآن مجرد شعارات أو إجراءات غير كافية، إذا لم تصبح خطوات فعلية، تبدأ بالأسس التي مهدت لما وصل إليه الشعب العراقي الآن.

المشهد السياسي في العراق اليوم يظهر ضرورة استمرار الاحتجاج في الشوارع، والساحات في المحافظات، والأقضية، والنواحي، والقرى في العراق. لقد بلغ السيل الزبى. لا يمكن السكوت على ما حصل وجرى لحد الآن. استمرار الاحتجاج واجب وطني وقانوني وأخلاقي، إذ لا يمكن أن تستمر الحالة كما هي، ولا أن تبقى كما أرادها من رسمها وخطط لها واستفاد منها شخصيا أو فرديا أو حزبيا أو غير ذلك. هذه الصورة للمشهد القائم تعكس تطور الوعي الشعبي وقوة الإرادة الوطنية في رسم مستقبل الوطن وبناء الدولة المدنية التي تؤسس على أساس المواطنة ودولة القانون والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، مع مراعاة التحولات وأزمانها.
منذ غزو العراق واحتلاله من قبل الدول التي كانت راغبة بالحرب والعدوان، منذ عام 2003 والمشاريع الصهيو ـ غربية التي جهزت للعراق، قائمة ومتواصلة. ملخصها نهب ثروات العراق وتخريبه وتدمير مؤسساته وإشغال شعبه بما يفرط اجتماعه ويستفرد بمكوناته، إغراء أو ارتهانا، من قبل أو من بعد الغزو والاحتلال ووضع الاختلال منهجا ونفوذا متواصلا، انسحبت قواته العسكرية أم بقيت، والتهديد بتقسيمه وتفتيته مباشرة أو مداورة. أجل..، انسحبت القوات الغازية بمعاهدات واتفاقيات، ولكنها مهدت أرض الرافدين وجيرانها لاحتلال آخر، وبأسماء أخرى، منها تنظيم القاعدة، وليس آخرها ما يسمى إعلاميا بداعش، وتسهيل أعماله وتوفير ظروفه، وتجهيز معداته الإعلامية والعملية، ذاتيا وعبر تخادم واسع في المنطقة.
لم تكن هذه الاحتجاجات الأولى، كانت قليلة، وقصيرة الأجل وسريعة الغضب، ورغم أن أغلبها رفعت شعارات واضحة، مطلبية وإرهاصات في فرص تنادي بضرورة التغيير وإعادة البناء، وليس التخريب وتعبيد طريق داعش وأصنافه، كما في بعض الساحات، إلا أنها ظلت في حدودها وفي مواجهات محدودة ضدها أو معها، ولم يستثمر تنبيهها للإصلاح أو التوجه له. وفي كل الأحوال كانت أشبه بالتمرينات الأولى، ولا بد من الاستفادة منها، والتطور في استخدامها وسيلة للتعبير عن الغضب الشعبي وطاقة التحمل والصبر.
تظاهرات الاحتجاج القائمة الآن، عمت كل أو أغلب المدن والتجمعات السكانية، ورفعت مطالبها الأساسية، بعد أن بلغت ممارسات الفساد حدودا لا يمكن الصمت عليها، وهي جزء من عملية التخريب التي بنيت عليها العملية السياسية والاحتلال، وكذلك تكريس الطائفية والمحاصصات التي وفرت بيئة لداعش وغيره وتمزيقا للنسيج الاجتماعي والقيم الاجتماعية التي عاندت كل المحاولات السابقة للتفرقة وصناعة الفتنة. وهي تتواصل مع العامل الآخر للاحتلال بتفشي الإرهاب وعصاباته وانتشاره، لإضعاف طاقات الشعب وتبذير خيراته.
أمام كل هذا تحاول جهات كثيرة، داخلية وخارجية، مستفيدة أو متضررة، من تشويه الحراك وأسبابه، أو التعليق عليه بما يبعد الأنظار عن تلك الجهات التي لا تريد خيرا للشعب العراقي أو لخياراته ومستقبله. محاولة العمل على تكثيف التناقضات والحساسيات وحرف التوجهات الاحتجاجية ومبرراتها وداعميها، من القوى الوطنية أو المرجعيات الدينية، التي لعبت دورا إيجابيا في سير العملية الجارية في العراق والإقليم. فحين تتابع بعض وسائل الإعلام في تغطياتها للتظاهرات والاحتجاج الشعبي تجد أنه يسعى إلى زرع متفجراته بين الصفوف واستغلال حالات الغضب وتضليل قارئها أو مشاهدها بما تريده وترمي إليه وتبني عليه. كأن تركز على مواقف معينة لها دورها الفاعل في الساحات المنتفضة والمحتجة والغاضبة، أو شعارات أو شخصيات وتحرض ضدها.
أفشلت تظاهرات الاحتجاج لحد الآن تلك النوايا الخبيثة والمساعي المعادية، وكشفت قدرتها على إدراك ما حاولت أن تحرف مسار الاحتجاج أو قوة التظاهر، حيث تميزت في عفويتها وانطلاقها بعد طول صبرها وإعلان غضبها العراقي واحتجاجها الشعبي، ومنع ركوب موجاتها بأهداف ووصايا شخصية أو حزبية أو دينية. وقد تظللت بعلم العراق وتوحدت شعاراتها التي تكاد تكون منسقة وتديرها منظمة مركزية واحدة في كل المساحات الساخنة في الاحتجاج. وهذا ما يتطلب العمل عليه الآن بعد اندلاعها، لاستمرارها وإنجاز الأهداف منها، حيث ضرورة التنسيق والاستمرار وتقدير المتغيرات والتطورات والإدارة الناجحة التي تعمل بجدية وتنهض بالأعباء بداية، في الظل ومن ثم في القرار والإصلاح والتغيير.
حاولت الرئاسات الثلاث امتصاص حماسة الحراك الشعبي وسارعت بإعلان حزم إصلاحات، كما تمددت موجات حراكها إلى رئاسات محافظات ومدن أخرى، بإعلان إجراءات ضد الفساد والمفسدين، ولكنها تبقى لحد الآن مجرد شعارات أو إجراءات غير كافية، إذا لم تصبح خطوات فعلية، تبدأ بالأسس التي مهدت لما وصل إليه الشعب العراقي الآن. ويبدأ من معنى الاحتلال والنفوذ وقاعدته الاجتماعية، ومن ثم الدستور وقنابله الملغومة، حمالة الأوجه، التي وفرت البيئة لما يحصل حاليا. وليس آخرها التفكير ببناء مؤسسات دولة حقيقية، عراقية صميمية، بأيد عراقية وإرادات شعبية تؤمن بمهمات تحرر وطني متكامل، وتنقل العراق إلى موقعه الطبيعي في المنطقة والعالم..
صادق البرلمان، مجلس النواب، على الحزمة الأولى، وبالتأكيد سيصادق على غيرها، وهو بحد ذاته مشكلة أو أحد أسباب الحراك، بطبيعته وإشكاليات أغلب أعضائه، وكذلك مجلس الوزراء ومجالس المحافظات، وما زالت هذه المسارات متداولة بين من هم في الحكم، وبين جماهير الشارع. ومثلما تتسارع اليوميات العراقية، يتطلب التغيير هدفا عاما وشعبيا. ومثله عند الجماهير المحتجة. لا بد من استمرار الاحتجاجات وتنظيم وتشكيل مجالسها القادرة على التخطيط والتفكير بالتحرر والبناء والتغيير. وتتحمل الرئاسات الثلاث وتوابعها مسؤولية ما تعانيه أكثرية الشعب، لا سيما فئاته الشعبية الفقيرة، والنازحين والباحثين عن عمل، وغيرها من الفئات التي لم تستطع توفير قوت يومها. وهي الأغلبية الشعبية ومصدر الشرعية وهدف بناء الوطن.
اعترف رئيس الوزراء حيدر العبادي بصعوبات الإصلاح ومعوقاته، كما حاول لمس القضايا الجوهرية في العملية كلها، في خطاب له، مشيرا إلى أن "المسيرة لن تكون سهلة، وإنما مؤلمة، والفاسدون لن يسكتوا وأصحاب الامتيازات لن يسكتوا، ولكننا سنمضي لآخر المهمة في محاربة الفاسد وإصلاح الأوضاع". وأعرب العبادي عن أمله بـ"الحصول على تفويض لتغيير الدستور"(المادة 142 من الدستور تقول بذلك!)، كذلك ذكر بالعمليات العسكرية، والحرب الدائرة ضد عصابات داعش ومؤيديها مشيرا إلى اقتراب النصر.. فهل سيحصل هذا كله؟!