[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
لم يتوقف الكثيرون عند الأخبار الخارجة من العراق في صيف عام 2010 ، رغم أن وكالات الأنباء العالمية والعربية قد تناقلت تلك الأخبار التي تحدثت عن تسعة عشر قتيلا وعشرات الجرحى الذين سقطوا برصاص الأجهزة الأمنية العراقية بعد خروج متظاهرين سلميين في مدينتي البصرة في أقصى جنوب العراق وفي مدينة الناصرية، كان ذلك في بداية صيف ذلك العام وتحديدا في التاسع عشر من يونيو، لكن جهاز أمن الحكومة وكان حينها رئيسا للحكومة نوري المالكي لم يحاول الاستماع لهتافات المتظاهرين السلميين الذين خرجوا مطالبين بحق من حقوقهم وهو توفير الطاقة الكهربائية في بلد يعيش ثنائية في غاية الغرابة، فهذا البلد الذي يملك ثروات طائلة ويطفو على محيطات من النفط والغاز والثروات الأخرى، وتدخل في ميزانيته شهريا بين خمسة إلى عشرة مليارات دولار - حسب ارتفاع وانخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية - ويمتلك إرثا كبيرا في الكفاءات والفنيين العاملين في الطاقة الكهربائية ومؤسساتها، إلا أن أبناء شعبه لا يحصلون على الطاقة الكهربائية، وما أن تبدأ أيام الصيف شديد الحرارة، حتى تبدأ رحلة معاناة الناس مع انعدام التيار الكهربائي.
لم يتوقف سلوك حكومة المالكي وأجهزته الأمنية ضد متظاهري البصرة والناصرية عند حدود اطلاق الرصاص الحيّ وسقوط القتلى والجرحى بل واصلوا حملات اعتقال طالت عددا من الناشطين وتعرضوا لأبشع انواع التعذيب في سجون الحكومة.
عندما تظاهر أبناء البصرة والناصرية في بداية صيف عام 2010 ، لم يكن احد يسمع بالتظاهرات في الوطن العربي، وقد سبق العراقيون أبناء تونس الذين ثاروا على حكومتهم بنصف عام تقريبا، كما سبقوا المصريين وغيرهم من الشعوب الذين خرجوا في احتجاجات ومظاهرات في العديد من الدول العربية وما زالت تداعياتها حتى الان وقد تستمر لفترة ليست بالقصيرة.
لقد أدركت حكومة المالكي في ذلك الوقت أن لا وجود لامكانية حل موضوع الكهرباء والخدمات، لأنها ليست حكومة حلول للأزمات وإنما حكومة ايجاد الأزمات وتكديسها ومضاعفتها قدر ما تستطيع، فسارعت للحل الأمثل والاسهل بالنسبة لها ، وهو استخدام الحديد والنار وفتح ابواب السجون وزج الذين تظاهروا أو تحدثوا عن ضرورة مطالبة الناس بتوفير الخدمات، التي يفتقدها الناس دون أن يعرفوا لماذا لا تهتم بهم الحكومة ولا تتحرك ولو خطوة واحدة لتوفير الحدّ الأدنى من الخدمات الضرورية لهذا الشعب، وكان الاجراء الردعي أول ما فكر به زعماء العراق، ورغم ازدياد الحرارة وغياب الكهرباء في ذلك الصيف إلا أن قساوة الحديد والنار الحكومي ومرارة السجون والمعتقلات وأيامها السود كانت رادعا أمام الآخرين فقبلوا بضيم الحر القائظ خوفا من بطش الحكومة وأجهزتها القمعية.
ونحن نتحدث عن متظاهرين في العديد من المدن العراقية هذه الأيام فإننا يجب أن نتذكر أن مدينتين عراقيتين، هما مدينة البصرة ومدينة الناصرية قد سبقتا جميع المدن العربية الأخرى في الاحتجاج والتظاهر ضد أنظمتها القمعية.