[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
هو ابتعاد عن أصول العلاقات العامة، بل مغالطة واضحة أن تجعل الآخرين ينتظرون ما ينبغي أن تعمله في حين أنك تقف ساكنا، سواء كان ذلك على صعيد التعاطي الحياتي اليومي بيننا، أو على صعيد القضايا الكبرى التي تستدعي منا مواقف معينة لإطفاء الحرائق السياسية والخصومات العنيفة التي تنتشر في بعض البلدان العربية كما تنتشر النار في الهشيم.
وبالمقابل ليس من العدل والمنطق أيضا أن تنتظر ما ينبغي أن يقوم به الآخرون، في حين أنهم في حالة إهمال لانتظاراتك، إن كلا الموقفين لا يمكن أن يكونا طريقا للتعامل المطلوب مع الأحداث، أعني الأحداث الاعتيادية التقليدية، وأعني أيضا الأحداث الجسيمة في أكثر من مشهد عربي مؤلم واحد.
لقد لفت نظري من خلال الوقائع التي نعيشها في العراق وبلدان عربية أخرى أن نزعة المحاصصة لا تقتصر فقط على تقاسم النفوذ السياسي والمنفعي ضمن معادلة (هذا لك وهذا لي)، بل هناك محاصصة أيضا في الألم والشكاوى، ويمكن معرفة موجبات هذا التشخيص باستعراض أحاديث وتصريحات وبيانات وتحرير اتهامات على أساس ادعاء: (إنني المتضرر الوحيد وأن على الآخرين أن يستجيبوا لمطالبي دون غيرها) وهكذا تكون الحصص في الألم مع أنه هناك حقيقة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان أن مقادير الألم والحزن نسبية، وقد تدفع للوقوع في انتظارات من هذا النوع، مثلما أنتجت ضمن هذه الأجواء تصريحات للدبلوماسي الدمث دي مستورا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا.
لقد قال دي مستورا قبل عدة أيام أمضى بعضها في دمشق: إن (جميع أطراف الصراع في سوريا باتوا على يقين تام بأنه لا حل نهائي للأزمة السورية بالوسائل العسكرية وأنه لا بد من الجلوس إلى طاولة مفاوضات للبحث في إيجاد مقاربات لهذا الحل).
إن الصراع في سوريا لا يحتمل الانتظار على شاكلة ما شرنا له في مقدمة هذا المقال، بل ولا يحتمل فترة إنضاج حلول، إذ لا توجد هناك غوامض تذكر في كل الأحداث التي مرت على هذا البلد العربي، وهكذا فإن من مسؤولية أطراف النزاع الآن أن لا يجعلوا دي مستورا ينتظر طويلا ليس لأنه تعب من الجولات المكوكية، فهو قد خبر ذلك عندما كان وسيطا بين الأطراف السياسية العراقية ولم يخرج يوما عن هدوئه، بل وعن (برودته) الدبلوماسية النادرة، رغم أن مواقف أغلب السياسيين العراقيين كانت خالية من أية كوابح تذكر وفيها الكثير من دوافع الاشتعال، والتمتع بأذى الآخرين.
لا مجال للبعض أن يتوهم أو يقع تحت ضغط معلومات إعلامية باحتمال حصول متغيرات في الأفق لصالح المعارضة السورية بما في ذلك المتغير الذي صدر على هيئة تحذير من البيت الأبيض الأميركي مفاده أن الرئيس أوباما وجه باستخدام القوة ضد الجيش السوري إذا اعترض المسلحين الذين دربتهم واشنطن، وأقول إنه توهم لأن عشرات من هؤلاء المسلحين لا يمكن لهم أصلا أن يغيروا معادلات العنف على الأرض إذا أخذنا بجزئية واحدة فقط تتعلق بالوجود العسكري الأميركي السابق في العراق، وكيف أن أكثر من مئة وخمسين ألف عسكري أميركي مدججين بأحدث أنواع الأسلحة المتطورة لم يستطيعوا أن يؤمنوا حيزًا من الأمن الحقيقي لهم رغم القوة المفرطة التي كانوا يمتلكونها.
إن أمام المعارضة السورية فرصة سانحة الآن لاختبار إرادتها على حماية ما تبقى من بلادها، في خطوة ينبغي أن لا يكون الانتظار لها طويلا، وأخص بالذكر بعض (نجوم) الائتلاف الوطني وبعض أجزاء الجماعات المسلحة وليس جميعها، فعليها أن تعترف أن رهان العنف الذي اعتمدته وما زالت تعتمده بالجيوب الإقليمية والدولية الممولة أخفق، بدليل أنه الآن في انحسار واضح رغم الهالة الإعلامية اليومية التي تغذي وجوده، لقد آن الأوان للمعارضة السورية أن تتعظ.