[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]يرى الباحث الأميركي مايكل روبرت هيكوك المختص بالشؤون التركية (بمدرسة الحرب الجوية في ولاية الباما) أن كمال اتاتورك مؤسس جمهورية تركيا الحديثة كان يرى مستقبل بلاده كعضو في أوروبا الغربية نابذاً كل التراث الثقافي والتاريخي الباقي من قرون الحكم العثماني في الشرق الأوسط وجنوب شرق أوروبا، وباتت هوية تركيا كدولة أوروبية مسألة عقيدة لأجيال من الأتراك وكان القول بغير ذلك في الماضي يدين صاحبه بأنه أصولي إسلامي أو رجعي.وبرغم أن اتاتورك كان عسكرياً إلا أنه فرض على نفسه وعلى الضباط الآخرين إن يؤدوا أدواراً مهمة في الحياة المدنية ليشاركوا في بناء الدولة التركية في الداخل والاستعداد التام للتضحية والاستشهاد والوقوف بوجه أي اعتداءٍ خارجي.واذا كان خلفاء اتاتورك قد بالغوا في تقديس أسس الكمالية حتى جعلوا من اتاتورك بعد وفاته، إلهاً ومن الايديولوجيا الكمالية شعاراً فاشستياً لا يرى في تركيا إلا شعباً واحداً مؤلفاً من طبقة واحدة، يحكمها زعيم واحد فإن الكمالية لا تزال تمثل ـ الى اليوم ـ وعي الدولة التركية ومذهبها السياسي ولذلك فإن كل من يحاول أن يوقفها أو يلغيها، يضع نفسه على هامش الأمة التركية وتطلعاتها.كانت أولى مهمات الحكومة الاتحادية هي ادخال ايديولوجية الاتحاد التركي الى الجيش والقضاء على كل الايديولوجيات الاخرى التي كانت تتعارض معها، وخلال سنوات قليلة تم تغيير شخصية الجيش تغييراً دراماتيكياً واضحاً، اذ لم يتم الاكتفاء باجبار الضباط على ارتداء قبعة الخاكي المشابهة للطربوش والمصنوعة من الفرو والتي كان يفضلها الاتحاديون، بل أحيل إلى التقاعد كل الضباط الذين كانوا غير قادرين على قبول قيادة الاتحاديين خلال التطهير الذي جرى في كانون الثاني/يناير من عام 1914 بعد مجيء انور باشا الى الوزارة الحربية، وبعد شهرين أصدرت وزارة الحربية أمراً حقق القطيعة التامة مع التقاليد العسكرية العثمانية وادخل فكرة ستكون ذات أهمية كبرى لمستقبل الدولة الجمهورية إذ جاء في الأمر، أنه من الآن فصاعداً على الضباط أن يبدأوا أولاً بتحية بيارق فرقهم وإعلامهم أولاً حتى وإن كان السلطان حاضراً، وهكذا أزيح السلطان عن مكانه بوصفه الرمز الرئيسي لولاء الجيش.وقد نجح اتاتورك في تطبيق ما أراده من أمور، بعد أن تمكن من توحيد الشعب التركي باسم القومية التركية في اطار حدود نشأت بموجب المعاهدة الوطنية تحت الظروف المروعة لحرب الاستقلال، وقد نادى اتاتورك بعد الحرب بمجموعة من المبادئ وكانت الغاية منها هي التقرب من المدنية الغربية وكان شعاره في هذا الصدد رفع مستوى الدولة إلى مصاف المدنية الحالية.وقد برر أتاتورك هذه المفاهيم بأنها نتيجة طبيعية للتقويم الحقيقي للوضع السياسي والجيوبولتيكي التركي في مواجهة توازن القوى والقوى الاجتماعية السائدة في تلك الفترة ولتحقيق ذلك فإنه نادى بالمبادئ الست التالية: الجمهورية، القومية، الشعبية، الدولية، العلمانية والإصلاحية، وفي الحقيقة فأن دستور شباط/فبراير عام 1937 كان يمثل اساساً لهذه المبادئ في السياسة الداخلية.كتب ديفيد هوتمان (الكاتب البريطاني) في مؤلفه (الأتراك) قائلاً..لقد مرت تركيا خلال ما يقرب من مائة عام من المراحل المختلفة لتبني الحضارة الغربية وان مصطفى كمال كان أكبر من تبنى هذه الحضارة الغربية وجزءاً من أوروبا، ولقد أدرك بشكل جيد ان أكبر عائق بين تركيا وأوروبا هو الدين ومهما كتب المؤرخون فإن الأكثرية الساحقة من الشعب، كانت تنظر الى أوروبا باعتبارها عالماً للمسيحيين او كمركز للمسيحية في الماضي وتنظر الى العالم العربي الإسلامي كشيء منفصل عن عالم الغرب وعن أوروبا.