الثورة الإلكترونية الحديثة أهم التحديات التي تواجههاعرض ـ حسام محمود:يعتبر موضوع البحث عن الهوية الثقافية من أكثر الموضوعات إثارة للقلق فى عالم الأدب العربي، وحتى على مستوى الأدب العالمى، نظرا لما تتعرض له الثقافات المختلفة، وفى مقدمتها الثقافة العربية من عوامل الغزو والتأثير والتغيير والتبديل، بل ومسخ الملامح الأساسية المميزة أحيانا، نتيجة لازدياد الاتصال والتبادل الناجمين عن الثورة الإلكترونية الحديثة . وما ترتب عليها من تدفق المعلومات، واختفاء الفواصل بين الشعوب والمجتمعات والثقافات، وبالتالى هيمنة الثقافات التى تملك وسائل الانتشار التى تساعدها على السيطرة على الثقافات، والتى لا يؤهلها وضعها السياسى والاقتصادى والعلمى من امتلاك الأساليب والوسائل التكنولوجية المعقدة. لهذا تنبرى الثقافة العربية عبر أدبائها فى مواجهة تيارات الغزو الخارجى القائمة على الثقافات الأجنبية والدخيلة حتى لا تفقد الهوية الثقافية القومية بالمنطقة فى خضم تيارات تهدف طمس الهوية ومحو جوانبها لصالح الفكر الأميركى.تحصين الهويةيحذر المؤلف دكتور أحمد أبوزيد فى بداية كتابه من تحول وسائل الاتصالات التكنولوجية إلى أداة للغزو الفكرى ضد هوية الثقافات العربية وامتدادها نحو ثقافات المجتمعات النامية بل والغربية والمتقدمة، مما جعل الأدباء العرب يستنهضون الهمم لمواجهة تحديات العولمة الفكرية التى تشكل خطرا على كيان الثقافة والفكر والابداع والتاريخ الثقافى. وقد طفقت الثقافة الأميركية بكل ما لها وما عليها تشكل التهديد الأكبر للهوية الثقافية العربية مع ذيوع انتشارها وتأثيرها على النظام الاعلامى وعلى درجة التطور الفكرى، بل وعلى الممارسات الانسانية وتفاعلات المجتمعات العربية والغربية مع بعضها البعض. ويستطيع الباحث عن مضمون الهوية العربية المرور عبر ثقافة الأدب والتاريخ اللغوى ليجد ضالته فيما ترك الأدباء وما حدث به الرواد، وما جددته المدارس الفكرية التى باتت تتصدى لمعضلات الأيديولوجيات الخارجية وملفاتها. ولعل المقومات الثقافية للمجتمع العربى باتت تتضمن الثقافة الشعبية بين التعددية اللغوية والتنوع الثقافى، وثقافة الأقليات فى العالم العربى، وتعززها وسائل التخطيط للثقافة العربية التى تسير نحو التنوير، حيث إن رصيد اللغة العربية يشكل مستقبل الترجمة والنقل المحسوب والايجابى فى عصر العلم، الذى يضيف للثقافة ولا يطمس هويتها. ويرى الكاتب أنه من الضروري اتصال الثقافات المختلفة، ولهذا ينبغى إقامة علاقات وصلات قوية ومستمرة مع ثقافات المجتمعات والشعوب الأخرى من منطلق إيمان قوى بعمق وحيوية وإنسانية الثقافة العربية، ورغبة أكيدة في أن تأخذ هذه الثقافة من كل الثقافات دون تمييز ما يضيف إليها، وتقف على قدم المساواة مع ثقافات العالم لتسهم بدورها في إثراء الثقافات العالمية. ويجب أن يهدف التخطيط الثقافي إلى المحافظة على مقومات الذاتية أو الهوية الثقافية العربية، والدفاع عنها ضد المخاطر الثقافية الخارجية، وتقديم تصور لما يمكن أن تتطور إليه الثقافة العربية في المستقبل مع إبراز الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة كقوة دافعة لتغيير الفرد والمجتمع. أي إمكانية تسخير الثقافة لخلق مجتمع جديد يتماشى بالضرورة مع هذه الثقافة في خطوطها الجديدة.الثقافة والابداعيشدد المؤلف على أنه لم يختلف علماء الأنثروبولوجيا حول مصطلح من المصطلحات اختلافهم حول الثقافة، فقد كثرت التفسيرات والتأويلات، وتعددت أساليب استخدامها في مختلف المجالات، بحيث أصبح من الصعب على العلماء الاتفاق على تعريف واحد يكون مقبولا منهم جميعا. وقد يكون التعريف الذي وضعه منذ أكثر من قرن عالم الأنثروبولوجيا البريطاني الشهير سير إدوارد بيرنت تايلور في كتابه (الثقافة البدائية) أفضل التعريفات لبساطته لأنه يكشف مدى اتساع المفهوم والمجالات المحيطه به. فهو يقول في الكتاب: إن الثقافة أو الحضارة بمعناها الإثنوجرافي هي ذلك الشكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعرف، وكل المقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع. ويلقى المؤلف الضوء على الثقافة الإبداعية والفنية في العالم العربي المعاصر، خاصة أن الثقافة الإبداعية لا تكتسب في العادة من التعليم الرسمي أو المنظم الذى يتلقاه الفرد في مراحل التعليم العام أو الجامعي، وإنما يكتسب الفرد هذه الثقافة الإبداعية ويتعرفها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تتولاها (مؤسسات) اجتماعية غير معاهد التعليم، مثل العائلة أو بعض أجهزة الثقافة والإعلام. ويرى الكاتب ضرورة الاعتراف بأن بعض الأوضاع والأفكار والاتجاهات القائمة في العالم العربي كانت ولا تزال إلى حد كبير تحد من انطلاق حركة الإبداع في كثير من المجالات، وتضع قيودا على تطور الثقافة الإبداعية. ومن هذه المعوقات: البيت العربي الذي لا يكاد يساهم في التعريف بالثقافة الإبداعية، فضلا عن أنه لا يعمل على تربية الذوق الفني والأدبي. والواقع أن المجتمع العربي لا يعطي الثقافة الإبداعية عناية واهتماما كافيا، ولا يبدي نحوها من الرعاية والاحترام ما يعطيه أو ما يبديه له نحو الأعمال الفكرية الخالصة أو الأعمال العلمية. ويؤكد الكاتب بكل وضوح إيمانه القوي بعمق وحيوية الثقافة العربية، حيث يدعو إلى أن تأخذ الثقافة العربية من كل الثقافات بدون تمييز ما يضيف إلى عمقها وحيويتها وانسانيتها، بحيث تقف على قدم المساواة مع ثقافات العالم المتقدم ويكون لها دور فعال في إثراء الثقافات العالمية.الأنماط الشعبيةيشير المؤلف إلى أن كنوز الثقافة الشعبية بين التعددية اللغوية والتنوع الثقافي تشكل قلاعا حصينة للهوية الثقافية، فهي تخضع بالمفردات الشعبية العربية لكثير من القراءات والتفسيرات التي تعتمد في معظم الأحيان على المعرفة بالتاريخ الحقيقي أو الواقعي للأحداث التي تسجلها هذه المفردات أو الأعمال، واختلاف التفسيرات وتعددها كمؤشر على مدى ثراء الثقافة الشعبية. فالثقافة الشعبية الشفاهية تنتشر من مجتمع لآخر داخل الدائرة الثقافية العربية من خلال الحكاية أو القص والسرد، وما يرتبط بها من تواصل مباشر وتجاوب بين الأطراف المشاركة في هذه العملية. وانتشار الثقافة الشعبية لا يعني فقط انتشار المعرفة بأحداث العمل الثقافي الشفاهي، إنما يصاحبه انتشار المعرفة بالعادات والتقاليد والقيم والسلوكيات المرتبطة بتلك الأحداث، بل ومعرفة اللهجات المختلفة التي يتم عن طريقها سرد هذه الأحداث والصور الذهنية التي يتم التعبير عنها في ألفاظ وكلمات ومصطلحات تنتمي إلى تلك اللهجات، مما يساعد على خلق مزيد من التقارب الناشئ عن اتساع مجالات المعرفة وتنوعها، وفهم أنماط التفكير السائدة في المجتمعات الوطنية والجماعات المحلية الأخرى داخل هذه الدائرة الثقافية العربية المتميزة. ويرى المؤلف أنه لدراسة مشكلة ثقافة الأقليات في الوطن العربي ينبغى التعرف على أبعاد وحجم وأسباب مشكلة الأقليات ذاتها قبل التعرض لنوعية ثقافتها. ثم بالتالي تحديد علاقتها بالثقافة العامة الشاملة التي تعطي العالم العربي طابعه الثقافي المتميز، وتحديد موقف واضح من هذه الثقافات التي يطالب إعلان مكسيكو بضرورة العمل على احترامها وحمايتها وتشجيعها.