إن من الأولياء والورثة إذا نزل قضاء الله وقدره، وهو الموت بقريبهم احتاروا في أمرهم، وترددوا في حالهم؛ وارتبكوا في وضعهم؛ ماذا يفعلون؟ وماذا يعملون؟ وبأي شيء يقومون؟ وهذا التردد وهذا التحير وهذا الارتباك يكون إما بسبب الجهل، وإما بسبب الذهول من وقع المصيبة، فتقع الأخطاء وتحدث المخالفات الشرعية، ومن هنا يجب أن يتعلم المسلم، ويتفقه في أمور الشرع، ليكون على علم وبصيرة من أمره، وعلى نور وهدى من دينه، فيدرك ما له وما عليه من حقوق وواجبات؛ فيؤدي ما عليه، ولا يأخذ إلا حقه، ومن هنا أيضاً يجب عليه التحلي بالصبر والثبات عند الصدمة الأولى أي عند وقوع المصيبة أو السماع عنها حتى لا يقع في محظور شرعي، وحتى لا يرتكب ما يؤدي إلى غضب الله وسخطه.إن المسلم مكرم حيا كان أو ميتا ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً، وأعلموا أن للميت حقوقا شرعية على إخوانه المسلمين وفي مقدمتهم أولياؤه وورثته، فما حقوق الميت؟.يمكن إجمال هذه الحقوق في أربعة هي: الحق الأول: تجهيز الميت. والحق الثاني: سداد ديون الميت. والحق الثالث: إنفاذ وصية الميت. والحق الرابع: الدعاء للميت وبره.الحقوق الثلاثة الأولى على الترتيب تخرج من مال الميت، وهي مقدمة على الإرث، لقول الله تعالى: ( من بعد وصية أو دين) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات محرماً: " كفنوه في ثوبيه" ومما لا خلاف فيه أن الإنسان أولى من غيره بالانتفاع بماله وفق شرع الله تعالى.الحق الأول: تجهيز الميت: لقد جاء في الأثر العجلة المذمومة إلا في خمسة أشياء هي التوبة من الذنب، وقضاء الدين، وإكرام الضيف، وتزويج البكر، وتجهيز الميت.لقد أمر الإسلام بإكرام الميت وصونه، وجاءت الشريعة الغراء بإغماض عينيه، ومد رجلين ويديه وتغطية جميع جسده، ثم المبادرة إلى تغسيله، وتكفينه، وحمله، والصلاة عليه، وتشييعه، ودفنه، والدعاء له بالثبات والرحمة والمغفرة ساعة سماع الوفاة إن كان من أهل الطاعة والوفاء، وكذا عند وضعه في القبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل".وأولى بغسل الميت أولياؤه إن كانوا عارفين لأنهم أشفق به، وأعلم بحاله من غيرهم، ثم الأقرب فالأقرب، على أن يتم اختيار الأمناء العارفين للغسل، إلا إذا كان المتوفى أوصى بمن يغسله وعينه وحدده عندئذ يكون الوصي هو أولى الناس بالغسل. وصفة الغسل بعد تجريد المتوفى من ثيابه باستثناء العورة من السرة إلى الركبة. ينوي المغسل بقلبه أنه يغسل المتوفى طاعة الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيبدأ بغسل العورة من السرة إلى الركبة، على أن يغسل السرة من الداخل، وعلى المغسل أن يلف يده بقطعة ثوب عندما يغسل عورة الميت، وبعد غسل العورة، يوضأ الميت وضوء الصلاة، من غير أن إدخال الماء في فمه أو منخريه وإنما يكتفي بذلك من الخارج، وبعد الوضوء يغسل الشق الأيمن من الرأس، وبعده الشق الأيسر، ثم الشق الأيمن من الرقبة، وبعده الشق الأيسر، ثم اليد اليمنى، وبعدها اليسرى، ثم الصدر، والبطن، والظهر، ثم الرجل اليمنى، وبعدها اليسرى، ويمر المغسل في جميع ذلك بيده على جسد المتوفى مع مرور الماء، وإن عمم الجسد بالماء من غير تريب ولا وضوء من غير قصد مخالفة الهدي النبوي صح الغسل، على أن تفك ضفائر شعر المرأة، وبعد تعميم جسد الميت بالماء، يغسل بماء وسدر لإزالة الوسخ، ويجوز استخدام الصابون في حالة عدم وجود السدر، أو لم يتمكن السدر من إزالة الوسخ، على أن تستر عورة الميت ذكرًا كان أو أنثى أثناء غسله بثوب من السرة إلى الركبة.وحق تجهيز الميت يقدم على الدين، والوصية، والإرث، فهذا الحق يشمل أجرة الغاسل، وثمن الكفن، وأجرة حافر القبر ونحو ذلك، وإن تبرع بها من تبرع من المسلمين فلهم الأجر والثواب من الله تعالى.وتشييع الميت والصلاة على عليه له من الثواب العظيم ما يجعل الحي أن يحرص عليه، ولا يفوته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين" ولمسلم " أصغرهما مثل أحد". وللحديث بقية.