حمود الصوافي:
اعداد ـ علي بن صالح السليمي:
ضمن الخطب القيّمة التي ألقاها فضيلة الشيخ الجليل/ حمود بن حميد بن حمد الصوافي في احدى السنوات الماضية .. اخترنا لك عزيزي القارئ احدى هذه الخطب والتي هي بعنوان: " من آداب الصيام " .. حيث ان الخطبة تعتبر من أهم الوسائل الدعوية التي استخدمها فضيلته في هذه الحياة ..

يستهل فضيلته الخطبة قائلاً: الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتنزل البركات، سبحنه أرشد الخلق إلى أكمل الآداب ، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، نحمَدُهُ ونسْتعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ، ونؤمِنُ بِهِ ونتوكّلُ عليهِ ، ونسْتَغفِرُهُ ونتُوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ، يُحيِى ويُمِيتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَموتُ، بِيدِهِ الخيرُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأشْهدُ أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً مُنيراً، أرسلَهُ رحمةً للعالَمينَ، وسراجاً للمُهتدِينَ، وإماماً للمُتقينَ ، فبلغَ الرِّسالةَ ، وأدّى الأمانةَ، ونصَحَ الأُمَّةَ، وكشَفَ الغُمَّةَ، وجاهدَ في سَبيلِ ربِّهِ حتى أتاهُ اليقينُ (صلى الله عليه وسلم) ، وعلى آلِهِ وصحْبِهِ، وعلى كُلِّ مَنِ اهْتدى بهدْيهِ، وسارَ على نهجِهِ ، واستنَّ بسُنَّتِهِ، ودعا بدعْوتِهِ إلى يومِ الدِّينِ، أمّا بعدُ: فيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكم ونفْسِي بتقوى اللهِ ، والعملِ بما فيهِ رِضاهُ ، فاتقوا اللهَ وراقبوهُ ، وامتثِلُوا أوامِرَهُ ولا تعصُوهُ ، واذكُرُوهُ ولا تنسوهُ ، واشكُرُوهُ ولا تكفُرُوهُ .

وقال: واعلموا أن شهركم هذا شهر كريم ، وموسم عظيم ، شهر يضاعف الله فيه الأجر ، ويُجزِل المواهب ، ويفتح فيه أبواب الخير لكل راغب ، شهر الخيرات والبركات ، شهر المنح والهبات ، شهر المنافسات والمسابقات ، شهر المسارعة إلى نيل الدرجات ، شهر أشاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بفضله ، ونوه بمكانته عند الله سبحانه وتعالى ، وكان يبشر أصحابه بقدومه ، ويحضّهم فيه على الإكثار من عمل الخير ، ويرغبهم في ذلك ، ويخبرهم أن الله سبحانه وتعالى ينظر فيه إلى تنافسهم ، ويباهي بهم ملائكته  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  ( البقرة/185).

وخاطب الحضور قائلا: أيها المسلمون إن للصيام آدابا ينبغي للصائم أن يتحلى بها لينال بذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل ، فمما يسنّ للصائم : الإكثار من مدارسة القرآن ، وتلاوته تلاوة تأمل وتدبر ؛ اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يكثر من تلاوة القرآن ومدارسته في ليالي رمضان ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس ، وكان أجود ما يكون حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، ولقارئ القرآن بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها  إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ  ( فاطر/29 ـ 30) . وعن أبي أمامة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : « اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه » ، وعن عبدالله بن مسعود أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : « من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف » . وفي مدارسة القرآن ما لا يخفى من الأجر والثواب ، « وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ؛ إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » .
وقال: ومما يسن للصائم : الإكثار من الذكر والدعاء ؛ فإن الدعاء مخ العبادة ، وقد حض الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الدعاء في رمضان ، وأخبر أن دعوة الصائم من الدعوات التي لا ترد ، فقد روي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : « ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم ، يرفعها الله فوق الغمام ، وتفتَح لها أبواب السماء ، ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين » ، وقد ورد : إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد ، ومن حديث سلمان الفارسي : « فاستكثروا فيه من أربع خصال ، خصلتان ترضون بهما ربكم ، وخصلتان لا غنى لكم عنهما ، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه لذنوبكم ، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما : فتسألون الله الجنة ، وتتعوذون به من النار » . ومن حديث آخر : « ولله في كل يوم من شهر مضان عند طلوع الشمس ، وعند وقت الإفطار عتقاء يعتقهم من النار عبيدا وإماء ، وملك ينادي من تحت العرش : هل من تائب يتاب عليه ؟ هل من داع يستجاب له ؟ هل من مظلوم ينصره الله ؟ هل من مستغفر يُغفر له ؟ هل من سائل يُعطى سؤاله ؟ »  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ  ( البقرة/186)  وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  ( الأعراف/180) . ومما يسن للصائم : الإكثار من العبادة والاجتهاد في قيام الليل ، « من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره  أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ  ( الزمر/9)  وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا  ( الفرقان/64). تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ( السجدة/16 ـ 17)  إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  ( الذاريات/16 ـ 18) ، « ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها » ومما يسن للصائم التسحر ، وهو تناول شيء من الطعام أو الشراب آخر الليل ، وقد حض الرسول (صلى الله عليه وسلم) على السحور ، ورغب في ذلك ، فقد روي عنه «(صلى الله عليه وسلم) انه قال: (تسحروا ؛ فإن في السحور بركة ( ، وجاء عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ : « إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر » ، وروي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ : « إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين » ، وقد ورد : نعم سحور المؤمن التمر ، « عليكم بهذا السحور ؛ فإنه الغذاء المبارك » ، « تسحروا ولو بجرعة من ماء ».
وقال: وينبغي للمسلم أن ينوي بتسحره امتثالا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واقتداء بفعله ، وينوي به أيضا التقوي على الصيام ؛ حتى يكون تسحره عبادة ، فينالَ بذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل . ومما يسن للصائم تعجيل الإفطار وتأخير السحور ، وقد جاء الحض على ذلك والترغيب فيه ، فقد جاء عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : « لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر ، وأخروا السحور » ، وجاء عنه (صلى الله عليه وسلم) انه قال: (لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الإفطار ، وأخروا السحور » .أي لا تزال أمتي على الفطرة الإسلامية المخالفة لليهودية والنصرانية ما عجلوا الإفطار ، وأخروا السحور ، وعن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال : تسحرنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قام إلى الصلاة ، قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين السحور والأذان ؟ قال : قدَرَ خمسين آية . ومما يسن للصائم أن يفطر على طعام لم تمسه النار اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يفطر على رُطبات ؛ فإن لم تكن رُطبات فتمرات .فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء ، وقال : « إذا أفطر أحدكم فليفطر على التمر ؛ فإنه بركة ، فإن لم يكن تمر فالماء ؛ فإنه طهور » ، وينبغي للمسلم أن يدعو عند الإفطار بما يناسب المقام ؛ كأن يقول : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ، سبحانك وبحمدك ، اللهم تقبل مني ، إنك أنت السميع العليم ، ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله ، اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي » .