مسقط - العمانية:
نفدت من المكتبات العمانية النسخ الأخيرة من الطبعة الرابعة عشرة لكتاب "جوهر النظام في الأديان والأحكام"، لناظمه العلامة نورالدين عبدالله بن حميد السالمي (ت: 1914م)، صدرت هذه الطبعة في مجلد واحد من الحجم الكبير عن مكتبة نورالدين السالمي، لصاحبها سعود بن حمد بن عبدالله، حفيد المؤلف. ويعد كتاب "جوهر النظام في الأديان والأحكام" من أعذب الأراجيز الفقهية لدى العمانيين، حيث يبلغ عدد أبياتها 14 ألف بيت، تبدأ بمطلع: "يقول عبدالله وابن عبده .. المرتجي ألطافه من عنده"، "أحمدك اللهم كل الحمد .. في حالة الرفد وغير الرفد"، شرع السالمي في نظمها عام 1323هـ أثناء رحلته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وهذا ما أكده في مطلع منظومته حيث قال: " شرعت فيه ببلاد الله .. فكان هذا من عظيم الجاه"، وذلك عام 1323هـ/ 1906م وفرغ من نظمها بتاريخ 11 ربيع الثاني 1329 هـ، الموافق 11 ابريل 1911م. وفي مقدمة الكتاب أكد الناظم بأمانة أنه اعتمد في نظمه على تهذيب وترتيب أرجوزة "دلالة الحيران في الأحكام والأديان" لناظمها سالم بن سعيد الصائغي "ق: 19م" وهي أرجوزة شعرية يبلغ عدد أبياتها 12035 بيتا، فرغ المؤلف من تمام نظمها في اليوم الثاني من شهر لعام 1217هـ/1802م، ولم تكن مرتبة ترتيبا منهجيا، وبعد قرن من الزمان جاء الشيخ السالمي ليعيد ترتيبها وتهذيبها، فخرج جوهرالنظام خلاصة جمعت بين عبقريتي الصايغي والسالمي في ثوب شعري واحد، فتقبلها القراء وأخذوا ينسخونها بخط اليد، قبل أن تصدر مطبوعة ولأول مرة عن المطبعة العربية في القاهرة عام 1344هـ، أي بعد موت المؤلف باثني عشر عاما، ثم اعتنى بتصحيحه الجزائري أبواسحاق ابراهيم اطفيش"ت: 1965م"، ثم العلامة الشيخ ابراهيم بن سعيد العبري المفتي العام السابق للسلطنة "ت: 1975م"، فشرحا الغامض منه، وفسرا مصطلحاته ومفرداته العمانية خاصة، ونبها على كثير من مزاياه وخصائصه. قال أبو إسحاق اطفيش في شهادته عن الكتاب: كتاب لا يملك المرء أن يعبر عن كنوزه، وما احتوى عليه من غوالي المسائل، وذخائر العلم، يقذف إليك بدون مشقة درر مسائله، ويوصلك إلى عويص منها بلا عناء، ويقرب ما صعب من مرامي الفقه بعيدة المدى. وقال فيه العلامة الشيخ ابراهيم بن سعيد العبري: ليس له في فنه شبه ولا نظير، يغني مطالعه الأريب عن الأساتذة، لسهولة ألفاظه، وحسن نظامه، قل أن يلازمه أحد إلا وقد أصبح فقيها، يستشهد بأبياته كما يستشهد الأدباء بأبيات الحكمة. وبمرور الأيام زاد إقبال الناس على هذه المنظومة الرائقة، وصار كتاب "جوهر النظام" والذي يعرف لدى العمانيين بكتاب "الجوهر"، هو من أنفس وأجل الكتب النظمية في علوم الفقه والشريعة، ومنهم من حفظها عن ظهر قلب، نظرا لرشاقتها ورقة أبياتها، وامتد تأثير هذه المنظومة لتصل إلى زنجبار، وهناك عكف على نثرها الأديب الشاعر ناصر بن سالم بن عديم الرواحي الذي حولها إلى نثر، وشرع في شرحها، لكن الموت لم يمهله لإكمال مشروعه، ومات الشارح البهلاني بعد أن قطع في شرح "نثار الجوهر" ثلاث مجلدات من الحجم الكبير، صدرت مصورة ومطبوعة. والذي كان يأمل أن يصل شرحه إلى 24 مجلداً .والمعروف أن كتاب الجوهر يتألف من أربعة أجزاء، يبدأ الجزء الأول بكتاب العلم ثم كتاب أصول الدين، ثم كتاب أصول الفقه، ثم كتاب الطهارات ويليه الغسل والوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، وينتهي بكتاب النذور والأيمان والكفارات. ويبدأ الجزء الثاني بالأطعمة والنكاح، وينتهي بالبيوع والضمانات، ويختص الجزء الثالث بالعطايا والأموال والميراث والحدود وينتهي بالقضاء والدماء، ويختص الجزء الرابع والأخير من كتاب الجوهر بالسنن والآداب، وينتهي بأبواب التوبة والزهد والدعاء.