ذكرت في مقال سابق أن الصيد نوعان صيد بري وآخر بحري. الصيد البري له طرق وأساليب تختلف من بلد إلى آخر فقد يصطاد باليد وقد يصطاد بالسلاح من رماح وبندقية وغيرها وقد يصطاد بالكلاب.
والقرآن الكريم يحيط بجميع هذه الأنواع وقد أشار القرآن الكريم إلى الصيد باليد وبالسلاح بكل وضوح في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }المائدة94
هكذا تتحدث الآية عن اختبار المؤمنين بشيء من الصيد وهو الصيد البري والمراد بما تناله الأيدي في قوله " تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ" أي ما تناله أيديكم من صغار الصيد كالفراخ وبيضه أو هو صغار الصيد وما لا يستطيع أن يفر من الصيد. وقد وسع بعض المفسرين دلالة لفظة "لأيدي" لتشمل الحبالات وما تعمل اليد من فخاخ وشباك وخص الله تعالى الأيدي بالذكر لأنها أعظم تصرفاً في الاصطياد وفيها تدخل الجوارح والحبالات وما عمل باليد من فخاخ وشباك وغيرها من آلات تصنع باليد. وقوله " وَرِمَاحُكُمْ" أي ما تناله رماحكم من كبار الصيد
وعلى هذا التفسير يتضح أن المراد مما تناله أيديكم الصغار من الحيوانات ما تصطاد باليد دون السلاح والكبار من الصيد من الحيوانات هي التي تصطاد بالسلاح.
والرماح كلمة جامعة شاملة لجميع الأسلحة التي يصطاد بها. والنص القرآني قد ذكر لنا نوعين من أنواع الاصطياد وهو إما أن يكون باليد وإما أن يكون بالسلاح وأما الصيد بالجوارح والكلاب المعلمة فقد ذكره الله تعالى وصرح به القرآن الكريم في قوله {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }المائدة4
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية ما نقل الطبري عن ابن جريج عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا ماذا أحل لنا يا رسول الله فنزلت.
وقد أثر عن ابن عباس وابن جبير رضي الله عنهما أنها نزلت في عدي بن حاتم وزيد الخيل قالا يا رسول الله إنا نصيد بالكلاب والبزاة وإن كلاب آل دريح وآل أبي مورية لتأخذ البقر والحمر والظباء والضب فمنه من ندرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا ندرك ذكاته وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت.
والموقف يتضح من تصوير الاصطياد بالجوارح المعلمة التي يقوم الناس بتعلمها وتربيتها فتصيد ولا تأكل وأقصى غاية التعليم أن يدعي فيجيب ويزجر بعد الظفر فينزجر ويمتنع أن يأكل من الصيد.
والآية تشير إلى جواز ما صاده الجوارح وقد اختار له القرآن الكريم أسلوباً منطقياً بأن الطيبات حلال والمصيد من طريق الجوارح المكلبة هو من الطيبات ولا حرج في أكله. وكذلك تشير الآية إلى تعليم الجوارح على الأخذ بالصيد وقد أشار القرآن إلى موهبة الإنسان التي أودعها الله تعالى فيه وفي الجوارح بأن أعطاه الله قوة على أن يعلم الجوارح ويربيها وأودع في الجوارح أن يتعلم والمراد من قوله تعالى " مُكَلِّبِينَ " وردت فيه ثلاث أقوال : أحداها ، أنهم أصحاب الكلاب يقال رجل مكلب وكلابي أي صاحب صيد بالكلاب والثاني : أن معنى مكلبين ، مصرين على الصيد والثالث : أن مكلبين بمعنى معلمين. وإنما يقال مكلبين لأن الغالب من صيدهم إنما يكون بالكلاب.
وكذلك تعلمنا الآية الكريمة أنه لابد عند إرسال الجوارح أو الكلاب المعلمة أن يذكر الذي يصيد اسم الله عند بداية الإرسال وهي لفتة قرآنية تصور أسلوب التربية القرآني وتشيد بطبيعة المنهج الحكيم الذي لا يدع لحظة تمر ولا مناسبة تعرض حتى يوقظ في القلب البشري الإحساس بهذه الحقيقة الأولى ، حقيقة أن الله هو الذي أعطى كل شيء وهو الذي خلق كل شيء وهو الذي علم وهو الذي سخر وإليه يرجع الفضل كله وفي كل حركة وكل كسب وكل إمكان يصل إليه المخلوق. فلا ينسى المؤمن لحظة أنه من الله وإلى الله.
إذن فالأنسب أن يذكر اسم الله عند إرسال الجوارح إذ أنه قد يقتل الصيد بنابه أو بظفره فيكون هذا كالذبح له واسم الله تعالى يذكر عند الذبح.
وفي ختام الآية يلفت القرآن انتباه الإنسان إلى التقوى والخوف من حساب الله في الآخرة وذلك ليربط أمر الحل والحرمة كله بهذا الشعر الذي هو المحور لكل نية وكل عمل في حياة المؤمن والذي يحول الحياة كلها صلة بالله وشعور بجلاله ومراقبة له في السر والعلانية.
وخلاصة القول إن هذه الآية تشير إلى الصيد بالجوراح بما فيها الكلاب والطيور التي تدرب على تربية خاصة بأن تصيد لصاحبها فهو جائز أكله وهو من الطيبات والطيبات للمؤمنين الذين يتقون الله ويخشون حساب الله والله تعالى أعلم وهو ولي التوفيق.

إعداد محمد عبد الظاهر عبيدو