أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الأجزاء الواقعة على الحافَّة الشرقية الجنوبية من جزيرة العرب، وما يمكن أن تتبوَّأه هذه المنطقة الغنية بخيراتها من أدوار مُهمَّة في تحقيق وحدة العرب ونقل دعوة الإسلام إلى العوالم المجاورة، وبخاصَّة تلك البلاد التي انعقدت بينها وبين هذه المنطقة صلات، تجارية وغير تجارية، فخصَّ عليه الصلاة والسلام أهل عُمان - خاصتهم وعامتهم - بطائفة من الرسائل التي دارت مضامينُها في سلك ما كان يكتبه صلى الله عليه وسلم إلى العرب المجاورين، وتحظى هذه المجموعة من مكاتيب الرسول - عليه الصلاة والسلام - مع أهل عُمان بقيمة خاصَّة، فهي تُضيء جانباً مهماًّ من تاريخ هذا البلد، وتكشف عن ملامح من حياته السياسيَّة والاقتصادية والاجتماعية، كما تُلقي هذه الرسائل ضوءاً على تاريخ الدعوة الإسلامية في عُمان وموقف العمانيين من هذه الدعوة، و يجد الناظر في الطائفة الباقية من هذه المراسلات النبوية أنـَّها تتوزَّع في ثلاثة اتجاهات : يختصُّ أُولاها بدعوة النخبة الحاكمة - مُمثلة بملكي عُمان آنذاك - إلى إجابة الدعوة والدخول في الإسلام، ويشهد على هذا الاتجاه الرسالة التي وجهها صلى الله عليه وسلم إلى الملِكين جَيفَر وعبد ابني الجُلندي بن المُستكبر الأزديِّ، ويشبه ثاني هذين الاتجاهين أن يكون بلاغاً نبوياً عاماً إلى أهل عُمان، ومن أمثلته رسالتان نبوِّيتان أنفذهما عليه الصلاة والسلام إلى العُمانيين عامةً يدعوهم إلى الالتزام بالإسلام، وأمَّا الاتجاه الثالث، فتمثِّله مراسلات الرسول صلى الله عليه وسلم مع قبائل الأزد عامَّة، ومنهم أزد عُمان، ورسالته عليه الصلاة والسلام مع وفد ثُمالة والحُدَّان، من بطون أزد عُمان.كانت عُمان عندما راسلها عليه الصلاة والسلام مملكة آمنةً مستقرَّةً تخضع لسلطان الدولة الساسانية، وتحظى بما يُشبه الاستقلال، إذ كان يتولى الأمر فيها عربي من قبيلة الأزد، هو جَيفر بن الجلندى، يُساعده في ذلك أخوه عبد، وقد كان التدبير النبويُّ يقوم على توجيه الدعوة إلى الحكَّام قبل رعايتهم؛ لأنـَّهم أصحاب القرار الأوَّل في إجابة الدعوة أو رفضها، ولأنَّ الرعيَّة تبع لراعيها، وقد قيل "الناس على دين مُلُوكهم"، ومن هذا المنطلق الحكيم، استهل عليه الصلاة والسلام دعوة العمانيين بمخاطبة ملكهم المحلِّي آنذاك جيفر ونائبه عبد، واتخذ صلى الله عليه وسلم الصحابي الداهية عمرو بن العاص سفيراً إليهما، وتتحدَّث المصادر عن حُسن وفادة ابن العاص على ابني الجلندى، ومحاورته معهما، ونجاحه في اقناعهما بقبول الإسلام.يحيى بن أحمد بني عرابة