إن الإسلام أمر بالتعاون والتلاحم والتراحم خاصة بين الأرحام والأقارب يقول تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} ويقول تعالى: {الأقربون أولى بالمعروف} ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ".
من عظيم ما أتى به الإسلام أن الأسرة فيه لا تقف عند حدود الوالدين وأولادهما، بل تَتَّسع لتشمل ذوي الرحم وأُولِي القربى من الإخوة والأخوات، والأعمام والعمَّات، والأخوال والخالات، وأبنائهم وبناتهم؛ فهؤلاء جميعًا لهم حقُّ البِرِّ والصِّلَة التي يحثُّ عليها الإسلام، ويَعُدُّهَا من أصول الفضائل، ويَعِدُ عليها بأعظم المثوبة، كما يَتَوَعَّدُ قاطعي الرحم بأعظم العقوبة، فمَنْ وَصَلَ رحمه وَصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله. فصلة الرحم واجبة من الواجبات الشرعية، وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب.
إن صلة الرحم تكون بحسب الاستطاعة يقول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا".
وَصِلَةُ الرحم تعني الإحسان إليهم وإيصال ما أمكن من الخير لهم، ودفع ما أمكن من الشرِّ عنهم؛ فتشمل زيارتهم والسؤال عنهم، وتَفَقُّدِ أحوالهم، والإهداء إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، وعيادة مرضاهم، وإجابة دعوتهم، واستضافتهم، وإعزازهم وإعلاء شأنهم، وتكون أيضًا بمشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، وتكون صلة الرَّحِم والاطمئنان عليهم بالسَّلام من خلال الأشخاص أو الهاتِف أو الرسائل إذا لم تتيسَّر الزِّيارة.
فصلة الرحم باب خير عميم؛ ونافذة بر واسعة فيها تتأكَّد وَحْدَة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وتمتلئ نفوس أفراده بالشعور بالراحة والاطمئنان؛ إذ يبقى المرء دومًا بمنأى عن الوَحْدَة والعُزْلَة، ويتأكَّد أن أقاربه يُحِيطُونَه بالمودَّة والرعاية، ويمدُّونه بالعون عند الحاجة.
والأرحام درجات فصلتهم تختلف باختلاف درجاتهم؛ بمعنى أن الأرحام يختلفون بحسب قربهم وبعدهم من الشخص, البعد النَسَبي والبعد المكاني، فالرحم القريب نسبًا أولى بالصلة من الرحم البعيد نسبًا، والرحم القريب مكانًا أولى بالصلة من الرحم البعيد مكانًا.
أمر الله تعالى بصلة الأرحام والإحسان إليهم، ونهى وحذر من قطيعتهم، يقول الله تعالى: { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} ويقول تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقيبًا )) (النساء:1)، ويقول سبحانه : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) (محمد:23).
وجاء في الحديث القدسي الذي رواه عبد الرحمن بن عوف قال: سمعتُ رسول الله يقول: قال الله: "أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ". أي: قطعته. وقطيعة الله تعالى تعني غضبه وسخطه وانتقامه وعذابه
كما وردت أحاديث نبوية كثيرة فيها الأمر بصلة الرحم وبيان ثواب الواصل والنهي عن قطيعة الرحم وبيان عقاب القاطع منها ما يلي:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله"، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سرهُ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه"، وقد فَسَّرَ العلماء هذا الحديث بأن واصل رحمه يبارك الله له في عمره، ويوفقه إلى الطاعات واستغلال الوقت في ما ينفعه في الآخرة ويقربه إلى الله تعالى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر"، وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قاطع رحم".
صلة الرَّحِم واجبة على المكلَّفين جميعًا ذكورًا وإناثًا، كبارًا وصغارًا، لذا فلا يصح للزوج أن يمنع زوجته من صلة رحمها، بل عليه أن يأمرها بذلك، ويحثها عليه، فذلك من باب التعاون على البر، فإذا أمرها بقطيعة رحمها فلا تطيعه إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالطاعة إنما تكون في المعروف؛ لكن إذا يترتب على زيارة أرحامها مفسدة أو يخشى عليها أو على أولادها من أرحامها كونهم أهل شر ومعصية وفساد، فله منعها من الزيارة وعندئذ تصلهم بالسلام أو الاتصال بالهاتف أو الهدية أو غير ذلك من أنواع الصلة التي لا تترتب عليها مفسدة منهم. وعلى أية حال فإن الأمور تقدر بقدرها في حينها.
أحيانا يقع خصام بين الأرحام فيطلب مثلاً الوالدان أو أحدهما من الأولاد أن لا يزوروا أحدًا من الأرحام، فيقع الأوْلاد في حيرة من أمرهم، والَّذي يجب على الأوْلاد في هذه الحال؛ بذل النُّصح للوالدين، وتذْكيرهم بوجوب صلة الرحم وبحرمة القطيعة، ومطالبتهم بالعفْو والمسامحة، وإذا أصرَّا الوالدان على طلبِهما، فلا طاعة لهُما، وليتلطَّف الأوْلاد في صلة هذا الرحم بطريقة أو بأخرى ولو خفية دون علم الوالدين.

يوسف السرحني